إن المؤتمر الوطني يؤمن بأن النظام السياسي كثيرا ما يكون مفتوحاً أمام الاختراق الخارجى ويتعمق هذا الاختراق كلما قلت درجة التماسك الداخلى بسبب حدة المنافسة الأيدولوجية والسياسية والسعي وراء المصالح الحزبية الضيقة وقد يصبح النظام محكوماً من الخارج .. المواطنون الكرام في ظل هذه الظروف التي تعيشها بلادنا لقد انعقد المكتب القيادى للمؤتمر الوطنى يوم الخميس 21 أبريل 2022م بنسبة حضور 90% من عضويته وتطرق لمجمل الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية وخرج بقرارات يأتي مجملها في محتوي هذا البيان حيث أننا منذ وقوع التغيير الذي شهده السودان في 11 أبريــل 2019 قرر المؤتمر الوطني عدم المواجهـة واحتـرام خيار السودانيين والاكتفاء بتقديم النصح ومخاطبة القواسم المشتركـة بين أهل السودان كافة سعيا وراء تحقيق الهدف الاستراتيجي ( الوطن أولا) وأن يكون الوفاق الوطني خط الدفاع الأول ضد الاستهداف الخارجى وهو شرط أساسى لنهوض الوطن وإستقراره وتحقيق أمنه ووحدة أراضيــه .. لقد ظللنا نطالب وما زالنا بعودة المرحلة الانتقالية لمهامها ولدينا في السودان تجربتان انتقاليتان ناجحتان هما أكتوبر 1964م وأبريل 1985م وكانت مطالبنا أن تصبح هذه فترة انتقالية حقيقية تلتزم بشروط الانتقال وتقودها حكومة كفايات وطنية مستقلة ومحايدة غير حزبية وببرنامج واضح هدفه الرئيس تحقيق المسار الديمقراطى عن طريق انتخابات حرة ونزيهة تقوم في ميعادها المحدد وعدم السماح لتمديدها بأى مسوغات حتى لا تصبح مثل فترة الرئيس ضياء الحق في باكستان من ستـة شهور إلي (11) سنة أو عبدالناصر في مصر من عامين الي (18) سنة .. إننا آثرنا إفساح المجال للقوى السياسية كي تبذل عطاءها عشما في أن تقدم ما يفيد الوطن والشعب وعلى الرغم من قناعتنا بأن أهل السودان لا ينتظرون انتقال ديمقراطى من احزاب اليسار والعلمانيين علي رأسهم ( الشيوعي + البعث) لأن فاقد الشئ لا يعطيه .. إننا في المؤتمر الوطني آثرنـا كل ذلك لأجل تخفيـف غلواء المعارضيـن وقصدنا بذلك أن يلتحم الشعب السودانى مع الحقيقــة ويتعرف عن قرب حقيقـة الطبقـة التي انفردت بالقرار الوطنى وحكمت باسم الشعب السودانى من دون تفويض انتخابى ومن دون أن يراعوا أن السودان ملك للجميع .. ولم يمض وقتا طويلا الا وكان الشعب السودانى علي موعد مع الحقيقـة المرة حيث أن المجموعة التى تحكمت في مفاصل الدولـة قد أفسدت بخطابـها الاقصائى أجواء التوافـق السياسى والتسامح الحزبـى والاجتماعى والتلاقح الفكري وزادت المعاناة ودفع المواطن السودانى فواتيـر باهظـة الثمن لمواقفـه الأوليــة المساندة لهم وأصبحت الحياة والمعاش جحيما لا يطاق وتردت الخدمات الضرورية بسبب سوء التخطيط وهنا نسأل أين ذهبت الترليونات من الجنيه السودانى وهل توفر التعليم ..? حيث عجزت الحكومة لأول مرة في التاريخ عن طباعة المنهج من الكتاب المدرسى كما لم تنشئ فصلاَ دراسياً واحداً ولو من المواد المحلية وتراجع التعليم العالي وتعطلت الجامعات وتراكمت الدفع وخلال الثلاث سنوات الماضية لم تخرج الجامعات الحكومية ولا طالباً واحداً وتسرب الطلاب من جامعة الخرطوم ( الجميلة ومستحيلة ) الى اكمال دراساتهم بالجامعات خارج السودان والخاصة داخلياَ وتفيد الإحصائيات بأن (34000) طالب سودانى هاجروا لاكمال تعليمهم الجامعى في مصر أما في مجال الصحة لم تستطع الحكومة الانتقالية إنشاء شفخانة صغبرة وقد شهدنا موت المواطنين داخل سياراتهم امام بوابات المستشفيات بحثاً عن الدواء وأصبح الحصول علي الدواء المنقذ للحياة من المستحيلات كما تمت زيادات الأسعار حتي أصبح السودان صاحب الأرقام القياسية علي مستوي العالم فالبترول بصفته مصدراَ للطاقة ومحركاً للاقتصاد زاد سعر الجالون بشكل تراكمى من 28 جنيها حتي اصبح (3000) زيادة بنسبة 11570% خلال أقل من ثلاث سنوات ـ وبات الجميع يتسائل أين ذهبت أموال رفع الدعم عن البترول والكهرباء والخبز ..?
أما العملة السودانية فقد فقدت 90% من قيمتها بسبب قرارات الحكومة الكسيحة التي أمرت بزيادة النقود وطباعة عملة حيث كانت الكتلة النقدية المتداولة في العام 2018م (430) ملياراً اصبحت( 689.8 ) مليار ثم إلى 1302ملياراً عام 2020م ثم إلى 3296 مليار عام 2021م وبذا فإن الحكومة الانتقالية مسؤولة عن إفقار الشعب وقطعاً لا يمكن ترك كل هذا الفساد المالى و الادارى من دون محاسبة ولن نرضى نحن ولا الشعب السودانى بأن تتجاهل السلطة الانتقالية كل هذا الفساد والاخفاق السياسي والتردى الاقتصادى وانهيار الأمن والتفكك الاجتماعي وكل هذه الجرائم في حق المواطن السودانى عبر صفقة سياسية أو تحقيق مصالح حزبية ضيقة وإننا نطالب بمحاسبة كل من كان سببا في إفقار الشعب السوداني وعن الأرواح التي أزهقت بسبب التعدي علي الحريات وقتل المتظاهرين والموت بالحبس خارج الأجهزة العدلية عن طريق لجنة سياسية مكونة من عناصر أحزاب معروفة بقهر المنافسين السياسيين والتعامل معهم كأعداء ولن يتحقق العدل إلا بمعاقبة كل من تسبب في الفقر والجوع والمرض والفصل التعسفي عن العمل وقطع أرزاق الأسر المتعففة أو سرقة دخول المواطنين من قبل القوي السياسية التي أمرت بزيادة عرض النقود ..
أيـها المواطنـون الشرفاء ..
قد تلاحظ استمرار الأزمة الاقتصادية حتى بعد قرارات 25 أكتوبر وبالتالي نطالب النخبة المدنية والعسكرية التي تقود السلطة والمعارضة اليوم بالتعجيل إلى وفاق وطنى لا يستثنى أحد لمعالجة التدهور الحالي كما نطالب بإتخاذ اجراءات عاجلة ووضع برنامج إقتصادى عاجل لمعالجة قضايا معاش الناس وتوفير الخدمات الضرورية وايقاف هذا التدهور الوطنى المريع وإغلاق منابع تغذيـة خطاب الكراهيـة والتنازع السياسى الذي لا يقود إلا لإتجاه واحد وهو هلاك الوطن .. وعلي الرغم مما بذلنـاه من جهود صادقة ومثابـرة في الترويج لمبادرة المعارضة المسانـدة وتسويـق الحوار إلا أن ذلك وجد تعنتاً وعدم قبول لمجرد الفكرة ناهيك عن جوهرها لأن الغربيين والبعثـة الأمميـة بقيادة فولكر بيرتس قد استغلوا غياب الرؤيــة المركزيـة للحريـة والتغيير ووظفوه في معركتـهم ضد السودان كوطن ذلك لأنهم لا يريدون هذا المسار الوطنى الحر والمستقل ولا تعزيز مناخ الحوار و الحلول الداخليـــة وقد كشفت كل الاشارات أنهم بذلك يحاربون الشعب السوداني في المقام الأول ويستغلون التنوع والتعدد للفرقـة ولتوظيفـه مع الوضع الجديـــد لا أن يكون معززاً للوحدة والتضامن بين السودانيين كما أن الاستهداف الأكبر برز في إهمال معاش الناس حيث تسببت إجراءات الحكومة الانتقالية وإتباع برامج البنك الدولى في توسيع دائـرة الأزمات التي عانتـها بلادنا خلال السنوات الثلاث الماضية ولم يقيض الله لمشروع المعارضة المساندة أن يستمر لدوافع وأسباب كثيرة بعضها ذكر وبعضها تعلمونه ولا داعي لتكراره وكان أبرزها تصميم الوثيقـة اللا دستوريـة علي أساس العزل و الإقصاء لا علي أساس التماسك الوطني حيث توافقت مجموعات سياسيـة صغيرة الحجم وقليلـة الأثر علي إبعاد الأكثرية المؤثـرة الفاعلــة وإضطهادها لذلك أخفقت الحكومات الانتقاليــة في الاستجابــة لقضايا الوطن الجوهريـــة وهنا لا تكتمل الصورة من دون المرور علي علاقات تيارات وأحزاب منظومـة الحرية والتغيير وصراعاتـها الأيدولوجية والفكريـة الصامتـة وتقاطع مصالحها الضيقـة فضلا عن محاولات غربيـة ودوائر مخابراتيـة إقليمية تعمل علي إبعاد الدين عن الحياة في السودان وهدم الهوية الإسلامية ومسح أثر الشخصية السودانية القويـة والعمل علي اعادة تشكيل الحياة السياسية والاجتماعيـة من جديد بشكل يتماهى مع خدمـة المشروع الدولى الذي يهدف الي تقسيم السودان الي دويلات ورميـه في حضن العلمانيـة في جهل فاضح للواقع السوداني والنسبـة الغالبـة للملسمين ذلك أدي إلي إنهيار الفترة الانتقالية وتعثرها وقرارات 25 إكتوبر التصحيحــة التى أنهت الشراكة بين المكون العسكري وما يسمي بقوي الحرية والتغيير منصة التأسيس ..
المواطنـون الأوفيـــاء ..
إن القضية لم تكن بالنسبة للمؤتمر الوطني مجرد صراع حول السلطة ينتهي بالإستيلاء عليها غير أن الأمر متعلق بمنظومة السياسات الكلية لمجابهة قضايا الوطن بما يتوافق مع أهداف الألفية التنمويــة والتحدي الكلي للسياسات الإقتصادية وإستدامة النمو فضلاً عن حقوق المؤتمر الوطني الاساسية ومطالبــه كتيار سياسى وطنى في أن يكون جزءاً من الحركـة السياسيـة الوطنيـة وعضواً فاعلاً فبها وفي هذا لا يقبل المؤتمر الوطني بأي حال من الاحوال الاعتداء على حقوقـه الدستوريـة والاستيلاء علي دوره وعزلـه عن المساهمة في تحقيـق تطلعات شعبــه وأياً كانت الدوافع لا يقبل المؤتمر الوطني أن يجرد من حقوقـه القانونيـة المشروعـة التي منحتها لـه كل القوانين المحليـة و الدولية ولن يسمح لعملاء الخارج أن يسلبوا حريــة عضويته وحقهم في التعبير ومنعهم من أن يكونوا جزءا من أى حراك ونقاش يتم خلال ما تبقي من الفترة الانتقاليـة حول الدستور أو أى ترتيبات وتشاور سياسى بهدف ميلاد ميثاق سياسى وطنى جديــد مع الالتزام بعدم المشاركة في أى حكومة غير منتخبـــة ماعدا ذلك فإن المؤتمر الوطنى قادر علي مواجهـة كل التحديات وهزيمـة كل المخططات ضده بعزيمة وصبر ومصابـرة ومرابطــة .. لقد آثرنا الصمت وتحملنا الأذى خلال الفترة الماضيـة ليس ضعفاً ولا هواناَ ولكن عشماَ في أن تكون الفرصة سانحة للانتقال بالوطن الي مرحلـة أفضل وأن تؤسس لسياسات تغيير هيكلي وإستكمال كل السياسات الإيجابيـة التي أوصلت بلادنا الي محطـة التحول المنشود ولكننا اليوم وبعد أن تبينا أن عملاء الخارج لا يبنون وطناً ولا يريدون تحولاً ديمقراطياً بل تآمروا علي السودان ودمروه اقتصادياًـ واجتماعياً وكما هو معلوم أن أحزاب البعث والشيوعي في تأريخهم البعيد والقريب لم يشيدوا صرحا للديمقراطية في اي بلد من بلدان العالم فضلا عن اخفاق الحاضنـة السياسية للحكومــة الانتقالية ( الحرية والتغيير) في كل مهام الحكومات الانتقاليـة المتعارف عليها كما أن الحرية والتغيير لم تقدم مشروعاً سياسياً وطنياً يجمع أهل السودان علي القواسم المشتركة ويلبى مطامحهم في معادلة الاستقرار ويحقق آمال شبابـه وشاباتـه سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً ..
المواطنـون الكــرام :
إن الفرصة كانت كافيـة للسودانيين أن يتعرفوا علي حقيقـة هؤلاء إما أن ينجحوا ويعبروا أو يخفقوا ويتركوا المجال لغيرهم كي يعطى وبحمد الله كانت فرصـة علم فيها الشعب السوداني مصيره وقد توصل إلى قناعة بأن القوي السيـاسيـة والأحزاب التي تماهت في الماضى تارة مع المتمردين وتارة أخرى مع التدخلات الخارجيـة في الشأن السوداني وعملت علي تزكية خطاب الهامش وشردوا المئات وقتلوا الآلاف وتسببوا في سحل البسطاء في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان ودفعوا بالمئـات ليعيشوا في مدن الضياع هجرة ونزوحاً لا يمكن أن يغتسلوا من كل هذه الأدران ويعودوا إلي رشدهم ويستجيبوا لمطلوبات الوطن وتحقيق السلام ..
الموطنـون الشرفـاء :
أياً كانت تصوراتنا للنتائج التى إنتهى اليها الوضع في السودان بعد 11 أبريل 2019م إلا أننا لم نكن نتصور بأن هؤلاء ( القحاتـــة )كاذبون لهذا الحــد ولا توجد أرضية مشتركة بينهم والشعب وبينهم والقوي الوطنيـة الحيــة من أجل الحوار والانتقال الديمقراطي السلس كما تاكد لنا بان هؤلاء غير مستعدين لمجرد تطوير تجربتـهم وإحداث المراجعات عليها وانهم اكتفوا بخدعـة الشعب السودانى بشعارات جوفاء وأن جميع مكونات الحريـة والتغيير غير مهيئة للعمل من أجل الوصول بالأوضاع في السودان الي حال أفضل وعطفا علي ذلك كله فقد قرر المؤتمر الوطني أن ينهض بمسؤولياتــه الوطنيـة ويساهم مع مع كل المخلصين لأجل إيقاف هذا التدهور الإقتصادى والسياسى المريع إدراكاً لمتطلبات الخروج من الأزمـة ووعياً بالعمل المشترك لإنتاج أفكار وسياسات تكون علي درجة من المقبوليـة وتصبح ارضية هاديــة للعبور ببلادنا من علل الحريـة والتغيير إلي أفاق التنميـة والتطور والنهضة الشاملـة ..
الشعب السوداني الأبي :
إن المؤتمر الوطنى يؤكد قناعتـه بأن الشعب السودانى يدرك مكامن مصالحـه الحقيقـية وعناصر وآليات تحقيقها كما أن المؤتمر الوطنى يجدد قناعتـه الراسخة بأهميـة تقويـة لحمــة المؤسسات العسكريـة كافـة وعدم جرها لمعارك انصرافيـة لاستنزاف قدراتـها وقدرات الوطن كما أن المؤتمر الوطنى سيقف بصرامة من أجل إيقاف كل أشكال المؤامرات والاستهداف للقوات المسلحة والقوات النظاميـة الاخري .. وفى الوقت نفسه يؤكد المؤتمر الوطنى حرصـه علي السيادة الوطنية وحمايتها من أى تدخل أجنبى إقليمياً كان أو دولياً ومناهضة كل اشكال التغبيش ومحاولات فرض القرار الخارجى سوا كان بالضغط المباشر أو غير المباشر أو توجيـه الإعلام والتمويل لتغيير الولاء السياسي الوطني ونطالب بتدابير فاعلـة تبطل كيد الكائدين ..
وفي الختام لا ينكر الا مكابر ما قدمـه المؤتمر الوطني من انجازات خلال العقود الثلاث الماضية فى مجالات الحياة المختلفة وربما تكون دون مطامح الشعب السودانى لكنها تظل رصيداً سياسياً للذين أنجزوها وسهروا عليها وسيسعى المؤتمر الوطنى إلى تعزيزها و لهزيمـة كل محاولات جعلها خصماً علي تجربته السياسيــة كما يجدد المؤتمر الوطنى وقوفـه مع كل فئات الشعب السودانى ومع رفع المعاناة عنهم والعمل بقيادة واعية وبعزيمة أهل السودان في تحقيق انجازات كبرى تضاهى سد مروى وثورة التعليم العالى التي تحققت في ظروف شديدة التعقيـد ونحن علي يقين بأن اللحظـة الراهنـة التي تعيشها بلادنا تشكل فرصـة نحو الانطلاق لفجر جديــد تكون فيه بلادنا أكثر قوة ومنعـة ورخاء إذا أحسن توظيفها بشكل سليم وتمت إدارة تحدياتـها برؤيـة وطنية سديـدة ..