بقلم : على يوسف تبيدي
ليس من قبيل اللغة الدبلوماسية ان نملأ كأساتنا دائما ومعارفنا وحتي وجداننا بان العلاقة بين السودان ومصر هي علاقة ممتدة ومتجذرة ، وهي تتقابل بالاحداث وتتأثر بها مثلما هو في الجسد الواحد اذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي ، شواهد ذلك كثيرة، وعامرة ومليئة بالمقاربات، لحدود الدهشة ، ولا يمكن فصل التاريخ الطويل لتلك العلائق منذ الازمان السحيقة وحتي تاريخ اليوم ، تواريخ الثورات في البلدين والانعتاق والحرية
(1)
وعندما احتفلت السفارة المصرية ليلة الاربعاء 27يوليو 2022م من الشهر الماضي احتفالا لميلاد ثورة (23/ يوليو 1952) المجيدة والتي تحرر فيها الشعب المصري من ربقة الحكم الملكي براية الجيش ، جيش العبور ، كان السودان هو الاخر يحتفل قبلها بأيام بتواريخ مقاربة لانهاء الحكم الاستبدادي والشمولي لجماعة الاسلام السياسي ، وشاءت الظروف ان تكون مصر في خندق نجاح ثورة السودانيين ، ودعم ارادتهم بالوقوف علي المسافة المطلوبة من جانبها وتعزيز قيم الارادة الشعبية باعتبار انها دولة جوار تتأثر بنا كما نحن ، ووجه الشبه بين الثورات المصرية والسودانية ان عماد التغيير دائما يكتمل بإنحياز القوات المسلحة في البلدين للثوار والانتفاضات، فيتحقق التلاحم
(2)
كان الاحتفال الذي استضافه فندق “السلام روتانا” محضورا من قبل اطياف الشعب السوداني ، ومكوناته المختلفة، بما يؤكد علي متانة العلاقة الطيبة للسودانيين والمصريين ، كان حضور الساسة بمختلف انتماءاتهم اعلانا جديدا لوادي النيل الموحد والذي يتمتع باستقلاليته ، فيما شكل حضور الشريف صديق الهندي امتدادا لوسامة العلاقة بين الساسة والصوفية والدبلوماسية ، فهو يجمع كل تلك الزينة السودانية مثل نحلة تجمع من زهرة رحيق ، كان قادة الطرق الصوفية بمسمياتهم المختلفة ، ومثلهم كان حضور ممثلي الطوائف المسيحية ، كان احتفالا سودانيا بمناسبة مصرية وتاريخ مشترك
(3)
يكتمل احتفال السودانيين مع اخوتهم المصريين بحديث السفير المصري حسام عيسي الذي قاله قبل ايام ان مصر تعمل علي تنفيذ عدد من مشاريع التنمية في السودان ، وهو دور مصري مطلوب ، خاصة في ظل الاوضاع التي تعايشها بلادنا وعلي رأي القائل بأن “الصديق وقت الضيق”، فليس أدل علي عمق العلاقة بين البلدين غير هذا التعاون المثمر والاعلان عن مساعدة لم يبخل بها السودان ايضا تجاه شقيقتهم مصر ، ويمكن لتلك المشروعات التي تنتوي مصر اقامتها في السودان ان تعمل علي مزيد من الترابط ، فليس خافيا الهجرة الكبيرة والتداخل بين البلدين في الفترة الاخيرة ، فالسودانيين يعبرون بالالاف نحو مصر بطلب العلاج والسياحة، وكذك ضرب المصريين المحملين بالبضائع المصرية اصقاع ونواحي البلاد ووجدوا كل ترحاب
(4)
ان العلاقة بين مصر والسودان يجب ان لاتتوقف عند حدود مصالح الانظمة ، انها علاقة راسخة ، لم تلطخها دماء ، وان كانت تصاب بالتوتر بين الفينة والاخري ، لكن الماء البارد سرعان ما يتنزل علي مكامن السخونة بين البلدين ، كما يمثل عمق العلاقات وأزليتها ترياقا وحائط صد منيع لاي توتر ، زالت الاسباب التي كان يحتقب بها نظام جماعة الاسلام السياسي ورعايتها للارهاب وتجنيها علي استقرار المصريين ، وبالتالي يمكن لتلك العلاقة ان تمضي للامام وبوتيرة اسرع وتعاون لصيق جدا ، لا تعتمله اي هواجس ، وبالطبع فان شعوب البلدين هي الضامن الحقيقي لتلك العلاقة، وهي تاج رأسها المرصع بالحب والإخاء ، وهي عقلها ووجدانها وفكرها نحو المستقبل