اعترفت مؤخرا في توقيت اكثر حراجة بالنسبة للازمة السياسية بالبلاد بعض قيادات ورموز الحرية والتغيير بتصريحها ان المدنيين ليس لديهم رؤية موحدة؛ ولا نتوقع اتفاقا قريباً! ياتي هذا التصريح في وقت ينتظر فيه الكثيرون وعيونهم معلقة تجاه التحالف لايجاد معالجات ناجعة للازمة! ولكن يبدو ان اصرار قحت علي امداد هذا الشعب بمزيد من الاحباط وخيبات الامل اكبر من اسعاده!
يرى اغلب المراقبين ان اسباب الازمة السياسية اصلا هو عدم وجود هذه الرؤية التوافقية الموحدة؛ مما اضطر رئيس مجلس الوزراء الانتقالي عبدالله حمدوك المستقيل! ان يطلق ثلاث مبادرات من اجل توافق القوى السياسية وتوحيد ارادتها نحو انجاز مهام الفترة الانتقالية! الا ان تشاكسها كان اكبر! واصبح الخلاف فيما بينها سببا في تلميح رئيس الوزراء المستقيل لاكثر من مرة بالاستقالة! حتي قبل اتفاقه الاطاري مع “البرهان” فيما بعد قرارات الخامس والعشرين من اكتوبر الشهيرة! واصبح كما هو معلوم للجميع ان الخلاف وعدم التوافق هو سبب الازمة السياسية التي تعيشها البلاد تماما كما هو ايضا سببا لتطاول الازمة السياسية الان! وان عدم وجود رؤية موحدة لهذه المكونات المدنية يزيد من تعقيد الازمة كل يوم؛ خاصة بعد انسحاب الجيش من العملية السياسية والذي كان شماعة لدى هذه القوى بانعدام التوافق السياسي!
وقد اصبح عدم التوافق سمة اساسية ومظهرا من مظاهر الساحة وصراعها السياسي؛ حتي المبادرات التي من المفترض بها ان تعمل من اجل المعالجة؛ اصبحت بدورها هي عامل تشتيت والهاء وفرقة؛ بحيث كل مكون تأبط مبادرته الخاصة! حتى تعددت المبادرات واصبح وجودها جزء من الازمة لا من حلها؛ واخذت التيارات السياسية تتشاكس عبر المبادرة والمبادرة المضادة! فأفسدت أجواء التنفس الطبيعي بالساحة السياسية للبلاد!
الان السودان يصل لمفترق طرق بين ان يكون اذا توافقت هذه القوى وتركت ماهي عليه من تشاكس او في سبيله للتشظي والتلاشي والتفتت والانقسام! نتيجة لرفض هذه القوى التوافق والاجماع علي رؤية موحدة تستكمل مهام الانتقال! وهاهنا يطرح السؤال الابرز نفسه امام معضلة عدم التوافق! لماذا لا تتوافق القوى السياسية بالبلاد في الفترة الانتقالية؟ خاصة وانها فترة مهما طالت؛ تظل محدودة بمهامها البسيطة؛ لتهيأة البلاد لاجواء الانتقال؛ من استقرار وسجل انتخابي؛ وعملية انتخابية نظيفة؛ تقود البلاد نحو الخروج لرحاب الديموقراطية؛ ومدنية الدولة؟ لماذا التخاصم والاصرار علي عدم الاتفاق؟ اذا كان الهم هو الوطن وانجاح مسار الانتقال؟ الامر الذي يؤكد شكوك الكثيرين؛ في ان هَمّ هذه التيارات لم يكن الوطن او مواطنيه! لان الطريق لتحقيق ذلك بسيط وسهل! ولكن كان هم هذه التيارات بقناعة واسعة لدى كثير من فئات المواطنين هو السلطة! وحيازة مزيد من المكاسب والصراع علي كراسي الحكم؛ وليس علي خدمة الشعب! وتطوير الوطن وتوفير الخدمات الضرورية؛ وبنيته التحتية! لهذا لن تتفق هذه التيارات السياسية ولن تتخذ من التوافق طريقا من اجل حماية الوطن وصيانة الفترة الانتقالية! لان حبها للسلطة ومكاسب الحكم اكبر من حبها للوطن وخدمة مواطنيه! والا كانت الامور مختلفة عما نعيشه الان من ضعف ومعاناة وشظف في العيش واقتصاد مأزوم ودولة منهكة تحاول النهوض بغير جناح!