أدلل نفسي كثيرا من الناحية السماعية وهي الحالة الوحيدة التي أعتبر فيها نفسي (صفويا ونخبويا) وإنتقي من أستمع لهم بدقة عالية .. ولدي لجنة خاصة لإجازة الأصوات تفهم بقدر المستطاع في الفرز الجمالي .. وعادة لا أخرج محفظة نقودي لأشتري تذكرة أي حفل الإ لقلة من الفنانين .. ولعل محمد الأمين وعقد الجلاد في كل أوقاتها هما من يجبراني علي ذلك وعدم ممارسة الشح والحسبة الإقتصادية .. ولكن تلك القواعد تتكسر وتنهار في منهجي لكتابة الصفحات التي أحررها حيث أتعامل بإحترافية متناهية ولا أحجب الحوارات أو الأخبار التي لا تخص من يقعون في النطاق السمعي لدي .. ومن العادي أن تجد خبرا عن مصطفي السني أو منتصر هلالية وتصريحاته الفجة وأرائه السمجة عن الأغنيات التي يرددها لمصطفي سيد أحمد وهو يمارس عليها التشويه والتخريب الممنهج .. ولكني رغم ذلك لا أحجب الأراء المضادة لتوجهاتي الذاتية حتي لا يتداخل العام مع الخاص.
تناثرت تلك الشجون وأنا في طريقي لحفل عقد الجلاد بمسرح مدينة كوستي وأظنها المرة الأولي أن أدخل مجانا .. وتلك ليست قضيتي .. لأن القضية الأساسية لحظتها هي التوقف عند عقد الجلاد بعد القدر الهائل من الإشكالات التي احاطت بها منذ إنسحاب عثمان النو وصولا الي إبتعاد شمت محمد نور .. وما صاحب ذلك من غياب جملة من الأغنيات التي تشكلت بها ملامح عقد وتحكرت بها في الوجدان السوداني ..
ولكن إنسحب عثمان النو وغابت معه قائمة من الأغنيات مثل (أمونة .. الطنبارة والغناي .. لأنك عندي كل الخير .. المدينة .. ودود الإبتسامة .. وذلك علي سبيل الذكر وليس الحصر .. ثم بعد ذلك غابت الاغنيات التي لحنها شمت محمد نور بعد المفاصلة الأخيرة حيث غابت معه (طواقي الخوف .. تبتبا .. فاجأني النهار .. ست البيت .. نقطة ضو .. كفاكي) وذلك يعد بتقديري (مجزرة غنائية) فذلك هو التوصيف الدقيق لما حدث .. وبعد تلك المجزرة جأت فترة (التأليب والتحريش والتحريض) عن طريق الإنذار القانوني الشهير الذي أوقف المزيد من الأغنيات .. وكلها طبعا اغنيات مؤثرة ومن الصعب مغالطة الحقائق والقول بأنها مجرد أرقام في دفتر أغنيات عقد الجلاد .. كان ذلك كافيا للفرقة أن تنهار وأن تصبح مجرد ذكري جميلة وفكرة جمالية باذخة ساهم أبناؤها وبعض مؤسسيها في قتلها .. ولكن عادة حينما لا ترتبط (الأفكار بالأشخاص) تظل حية ومتقدة ولا تعرف الزوال .. والتمسك بالحياة والقدرة علي الإستمرارية يتطلب قوة الشخصية والشكيمة لمصارعة الموجة والتيار .. وأكاد أجزم أن عقد الجلاد ستبقي هي عقد الجلاد .. فلن يؤثر عليها ذهاب الأشخاص وذلك يؤكده خروج طارق جويلي .. عثمان النو .. محمد عبدالعزيز شبكة .. الأمين حسب الرسول وحتي الجيل الذي سبقه الذي كان يضم أسماء بقيمة أنور عبدالرحمن والدكتور حمزة سليمان وعمر بانقا وغيرها من الأسماء التي وقعت علي دفتر الحضور التاريخي لعقد الجلاد .. فهي الأن أكثر تماسكا وشبابا وسجلها الغنائي مازال محتشدا بالأغنيات التي تشبه خط سيرها الموسيقي ومازالت تتمتع بذات جمالية التراص الصوتي ..
إنها سانحة لتحية القابضين علي جمر القضية شريف شرحبيل وابوعركي عبدالرحيم والإداري الفذ نصر الدين حيدر ..