في السنوات القليلة الماضية إنتشرت بشكل مكثف وواضح بعض الفرق الغنائية الشبابية التي تعتمد في تكوينها الجماعي علي نمط غناء ما يعرف بحقيبة الفن .. وهي مرحلة مهمة من تاريخ الغناء السوداني بدأت مع مجئ الشاعر والفنان (محمد ود الفكي) من مدينة عطبرة وتأسيسه لهذا النمط الغنائي في بدايات القرن العشرين ثم ظهر بعده المغني الحاج محمد احمد سرور والذي بدوره قام بالبناء الرأسي علي أساس محمد ود الفكي ثم جاءت مرحلة الفنان (كرومة) والذي يعتبر صاحب مدرسة خاصة في الأداء التعبيري وأسلوبية خاصة في التلحين أكتشف الخبراء لاحقا بأنه أضاف أشكال لحنية جديدة كسر بها الأنماط اللحنية الدائرية .. ثم تلاحقت الأجيال الغنائية بعد ذلك علي ذات النسق والنمط الي أن ظهر الفنان (عبدالحميد يوسف) وهو يقدم نموذجا غنائيا جديدا مختلفا كليا عن أغاني الحقيبة ذات الألحان الدائرية والتي كانت عبارة ترديد (الكورس) لذات ما يقوله (المغني) ولكن عبدالحميد يوسف في أغنية (غضبك جميل ذي بسمتك ) التي كتبها الشاعر (حميدة أبوعشر) قام بتغيير ذلك المنهج كليا حيث لا تردد الفرقة الموسيقية ما يقوله المغني بإدخاله لميلودية مختلفة ولازمات موسيقية ما بين الكلمات .. لذلك يعتبر الفنان عبدالحميد يوسف هو رائد التجديد الموسيقي في الأغنية السودانية والتي أستمرت علي ذات النسق الي ما يقارب المائة عام .. ولكن حدث ما هو أقرب (للنوستالجيا) بعودة نمط الغناء الحقيبي للسطح مرة أخري متبوعا بظاهرة غناء الربابة وهذه العودة للنمط التقليدي القديم يمكن تفسيرها علي عدة أوجه يأتي في أولها أن الموسيقي الحديثة أو الأغنية السودانية أو ما يعرف بغناء الوسط والبعض يسميها (أغنية أمدرمان) هذا النمط فشل في تقديم خطاب غنائي يداعب كل الأمزجة وإنحصر فقط لأهل المدينة وأهمل الهامش والأطراف .. ومع إنتشار التكنلوجيا حدث ما هو أشبه بالثورة علي الموسيقي الحديثة والتي فشلت في تلبية جميع الأشواق والأذواق .. وما يحدث حاليا من إنتشار لأغنية الربابة يمكن توصيفه بأنه صراع (الهامش والمركز) وهو صراع قديم متجدد يتمظهر في عدم إهتمام جميع الأنظمة بالهامش من حيث الخدمات الحياتية أو حتي علي مستوي الأجهزة الإعلامية التي تتحرك في جغرافيا محدودة ولكن مع تغير هندسة المفاهيم وأحداثيات التطور في ظل ثورة وسائل التواصل الإجتماعي وجدت أغنية الربابة منبرا واسعا وغير محدود أستطاعت به أن تعبر للجميع وأن تثبت وجودها كنمط غنائي يستحق الإنتباه والإلتفاتة .. وهو ظاهرة تؤكد علي سطوة تلك الوسائل وقدرتها علي الإختراق وتكسير المفاهيم القديمة ولعل نماذج مثل الفنان (ابوالقاسم ود دوبا)و (بله ود الأشبه) تظل نماذج حية وماثلة أمامنا علي سطوة غناء الربابة ومدي قدرته في تكوين قاعدة معجبين عريضة إجتاحت حتي المدينة مع سهوله الوصول للمنتج الغنائي.
(سراج الدين مصطفي)