يا ليتَ هذا الكونَ كله نساء
يا ليته الزمان فيضه أنوثةٌ
ورقةٌ عذوبةٌ وكبرياء.
معز عمر بخيت
…
عدت من رحلتي العملية في السودان شاحنة الذاكرة بالعديد من الموافق والمشاهد والصور التي سأحكي عنها لاحقًا بمشيئة المولى … أما الآن فأود الكتابة عن مسيرة نجاح امرأة طموحة
هي زميلة أعرفها منذ أن كانت تدرس الاعلام بجامعة أم درمان الإسلامية إلى أن تقلدت منصب مدير عام قناة البلد أو (قناة الهلال سابقا) الا وهي الزميلة المجتهدة فاطمة الصادق… تسعدني دائما رؤيتها خلف مكتبها وهي تدير هذا الصرح الإعلامي كأول امرأة سودانية تتقلد هذا المنصب… عانت فاطمة الكثير عبر هذا الطريق لكنها قادت المركب بكل ثبات و عزيمة و سط تقلبات الأمواج العاتية في بحر الإعلام العميق.
تمكنت فاطمة من تجاوز العديد من المرارات، منها ما أعلمه و ما لا أعلمه… و على الرغم من أنها مشاكسة اتفق معها في بعض الأحيان و اختلف معها في أحايين كثيرة أخرى. و مع ذلك فأنا شاهدة على مسيرة نجاح امرأة طموحة، قوية، متفانية، و صبورة، تخطت الصعاب و التحديات التي واجهتها بكل ما تملك من قوة لتكلل جهودها بالنجاح في مجتمع يفضل تعيين الرجل في المناصب القيادية، تاركًا القليل للمرأة. و هذا ما يثير فضولي و شغفي للبحث عن سر تمسك المجتمع بهذه النظرة الضيقة في ميدان العمل، على الرغم من كفاءة المرأة التي تتفوق على كفاءة الرجل وقدراته وملكاته أحيانا… قد يرى البعض أن المرأة تفتقر إلى عنصر جوهري وخصلة مهمة، هي الثقة بالنفس: نعم قد أتفق مع ذلك . فنساء كثيرات يرجعن فضل نجاحهن إلى دعم الأهل والزوج وربما إلى دور الحظ والمصادفة، ونادرًا ما يتحدثن عن مهاراتها وكفاءاتها الشخصية التي أوصلتها لهذا النجاح . لذلك إن عُرض عليها دور جديد ، أنا هنا لا أعمم، فإنها ستخشى التقدم لأنها تؤمن بأنها ما زالت تتعلم، في حين نجد أن الرجل يتقلد المنصب، ويتعلم بالممارسة والمواجهة…لكن يا عزيزاتي النساء القيادة لا تعرف رجلاً أو امرأة، بل تعرف التحدي و المسؤولية و التطور المهني عبر التدريب و الاجتهاد. فمعظم التحديات اليومية التي تواجهك من مسؤوليات واتخاذ القرارات، إلى تحفيز الموظفين وإطلاق المشاريع و الأنشطة والفعاليات٫ كلها اشياء تقدر المرأة عليها وعلى خوض غمارها، تماما بعيدًا بين النساء والرجال، وما يتبعه من صورة نمطية محبطة…. وحتى لا نظلم الرجل ففي كثير من الأحيان، نجد أن المرأة هي التي تعزز القوالب النمطية عن نفسها بأنها عاطفية، أو غير عملية و غير ملتزمة، حيث تتحدث عنها وتعممها بشكل أو بآخر حتى يصدقها اللاوعي و ترسخ في عمق عقلها الباطن فتقيم بنفسها حواجز تحول دون تطورها المهني. وفي بعض الأحيان قد تدفع الغيرة المهنية بالأخريات إلى أن يقفن سدًا منيعًا أمام تقلد زميلة ما منصبًا قياديًا كانت قاب قوسين أو أدنى من توليه.. و مع ذلك فهناك الكثيرات من بنات بلدي يكتبن أسماءهن بحروف من نور في ذاكرة الوطن ووجدان الناس..فكن فاطمة وحليمة وزينب ونفيسة وسناء وتيسير إلى اخر الأسماء، وتقلدن المناصب، فدعوني أفاخر بكن نساء العالم.
فكلما تشعبتْ دروبُنا شقاوةً
وكلما تمدد العناءُ
نعودُ في حضورِها طفولةً
نجيء مثلما خرجنا أبرياء