علي أحمد
قال المهرج الأكبر والمُتحدّث المُستمِّر في الجيش السوداني؛ ياسر العطا، في خضم (غرقه) في فيضان كلامه، متحدثاً أمام عدد من الجنود أمس، إنّ هناك من روجوا بأن “الأخ الرئيس – يقصد البرهان- داير ينسحب من الحرب”. وأعقبها بجملة نافية ” لا إطلاقاً”.
وفي الواقع لم يروج أحداً، إطلاقاً لانسحاب البرهان من الحرب. والوحيد الذي فعل ذلك هو “ياسر العطا” نفسه، عندما كشف في مقابلته التلفزيونية الأخيرة أنّ اتصالاً هاتفياً جرى بينه وبين البرهان، شكا له البرهان بأنه (وصل الحدّ) أي تعب من الحرب، وأنه يريد أن يتنازل لنائبه شمس الدين كباشي عن قيادة الجيش وطلب منه – أي من العطا – التشاور مع الرجل، في ماذا؟، الله وحده أعلم، فالمعروف أن القيادة في الجيش تراتبية وأقدمية، ففيم يتشاور العطا مع كباشي؟.
لكن دعك من هذه الخُزعبلة التي اكتشفناها سريعاً في وقتها، وقلنا إن العطا يُكذِب، وأن البرهان لم يتصل به، وانها محض مسرحية سخيفة منهما، وقد تأكد لنا ذلك بتصريحه المذكور آنفاً أمس، والذي مفاده تكذيب من قال عنهم أنهم يروجون بنية البرهان الانسحاب من الحرب، بمعنى أن (ياسر العطا يكذّب تصريحات ياسر العطا)!
الأهم من كل ذلك، لماذا يكثر ظهور (العطا) ويكثر حديثه الذي يستبطن كيداً للبرهان وكباشي معاً، لكن هذا الكيد في الغالب الأعم الهدف منه هو كباشي نفسه ووحده، فالخلافات المفتعلة بواسطة نافذين سياسيين وأمنيين بين الرجلين لا تخفى على أحد، وقد ظلّا (يتناقران) طوال الفترة الماضية، يصرح كباشي فيأتي العطا ليصرّح بعكسه، ويفعل هذا أيضاً بدرجة أخف مع البرهان، متفق عليها.
بطبيعة الحال، لا يريد البرهان الاستقالة، وإلاّ لما أشعل الحرب واستمر فيها كل هذا الوقت ودمر البلاد وأهلك العباد، لكنّه ربما سًيجبر عليها، لأن مُخدميه (الإخوان المسلمين) لا يريدونه، لقد استنفد أغراضه وأصبح منتهي الصلاحية، لكن من هو البديل؟، وهذه هي المُعضلة، التي تواجه الكيزان المنقسمين على أنفسهم (جهوياً) أو حتى عرقيّاً، وهذا واضح وجلّي، لا يخفى على ذي عينين مبصرتين وقلب بصير.
البديل كما يقول المنطق والتراتبية العسكرية – كما اسلفت في مقال سابق – هو نائب البرهان “شمس الدين كباشي”، وهو رجل مقرب أيضاً من (الكيزان) وعمل جاهداً على تقويض المرحلة الانتقالية وأسهم ربما أكثر من البرهان والعطا على تقويضها، وكان الأكثر رفضاً وتعنتاً إزاء الاتفاق الإطاري، وبالتالي هو أحد المساهمين الكبار من المكون العسكري في مجلس السيادة السابق (المحلول) في إشعال الحرب، وله من الله والشعب ما يستحق، ولا حسرة ولا ندامة إن أُطيح من منصبه، فهو مُستخدم غبي لا قيمة له، لكن أن يتم التآمر عليه لأسباب عنصرية، كما هو واضح مما يُحاك ويُدبر له، فهذا ما نرفضه ونتصدى له ونكشف عنه ونقف ضده بلا تردد ولا هوادة.
الحملة على الكباشي ابتدرها العطا، ودخل في خطها أحد كبار مُهرجي السوشيال ميديا صبي المخابرات العنصري المدعو (الانصرافي) الذي حمّل كباشي مسؤولية هزيمة الجيش في جنوب شرق البلاد بولاية سنار، وصب عليه لعناته وجام غضبه، قبل أن تعلن قائدة الجيش الفعلية الكوزة اللعينة (سناء حمد) عن تفضيلها لياسر على الكباشي لتولي قيادة الجيش خلفاً للبرهان، لأن كباشي – وفقاً لحديثها- قد تم تجريبه ورسب في الاختبار بتوقيعه على اتفاقية المنامة (البحرين) مع قائد ثاني الدعم السريع عبد الرحيم دقلو.
بالطبع، ليس هذا هو السبب، لأن كباشي لم يذهب إلى المنامة بقرار فردي اتخذه بنفسه ونفذه دون تشاور مع قيادة الجيش، فهذا مستحيل في الأعراف والقوانين والنُظم العسكرية، وإنما لأنه ليس من الشمال، فلا يمكن لشخص من جبال النوبة أو دارفور أو شرق السودان أو النيل الأزرق، أو حتى من الجزيرة أن يتسنم قيادة الجيش المخصصة لأبناء شمال السودان حصرياً، سواء كانوا من نهر النيل أو الشمالية بحسب التقسيم الإداري المعمول به حالياً، وهذه هي المعضلة الرئيسية والعقبة التي تقف أمام إطاحة البرهان، لأن البديل وفقاً للتراتبية العسكرية، كما أسلفنا سيكون هذا (الكباشي) اللعين، فكيف يمكن إزاحته لإفساح الطريق أمام الشمالي ياسر العطا؟.
يقاتل أبناء النوبة في الجيش السوداني منذ أن تم تأسيسه، ويمثلون السواد الأعظم من (بندقجيته)، أي المقاتلين الحقيقيين على الأرض، حتى في هذه الحرب اللعينة، فهم الذين يموتون (موت الضان)، لكنهم في نظر هؤلاء العنصريون لا ينبغي أن يتجاوز أحدهم هذا الوظيفة (بندقجي)، أما وجود شمس الدين كباشي في منصب نائب قائد الجيش، فهذا محض ترميز تضليلي فقط، ولا يمكن أن يحلم مجرد حلم بأن يتولى منصب القائد العام للجيش، هذه هي الحقيقة التي يتهرب كثيرون من مواجهتها، فهذا الجيش الكيزاني الشمالي العنصري لا يسمح أن يقوده (نوباوي) ، هذه هي الحقيقة شاء من شاء، وأبى من أبى، وهذا ما يُفسر الحملات الإعلامية الكبيرة على “كباشي” والمؤامرات والدسائس التي تُحاك ضده هذه الأيام، وهذا ما يشرح هرطقات وهرجلات ياسر العطا الأخيرة “قال لي اتشاور مع كباشي!”.
وبهذه المناسبة، فإن كانت قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية منصبان متاحان لجميع الضباط السودانيين، وفقاً للكفاءة والمواطنة والجدارة والخبرة والمؤهل، لما اشتعلت حرب الخامس عشر من أبريل ولا أي حرب أخرى في هذه البلاد.
ويا كباشي بل راسك، فهذا ما تستحق من الله ومن الشعب، حتى تعي الدرس، لقد وقفت في الجانب الخطأ من التاريخ، وهذا هو جزاء (سمنار)، اما (نحن) سنظل في موقفنا مهما كثر التآمر وتكاثرت المؤامرات، حتى تصبح المواطنة والكفاءة والجدارة هي المعيار في الخدمة المدنية والعسكرية، وحتى تصبح “قندتو” و”تندلتي” سواء.
إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 18 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 19 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 20 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 21 22إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 23 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 24 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 25 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 26 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 10