بقلم ✍️ الاستاذ منعم سليمان
بالأمس 12/ أغسطس، خاطب الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع الشعب السوداني، بما ظلّ يخاطبه به على الدوام ومنذ اندلاع الحرب الخامس عشر من أبريل 2023، حيث أكّد أنّ وقف الحرب وإحلال السلام من خلال المفاوضات هي الخيار الاستراتيجي لقواته وأنها ظلت تتعامل معه بجديِّة ومبدئية والتزام منذ موافقتها على منبر جدة (1) و(2) وما ترتب عليه من إعلان لحماية المدنيين، وكذلك الاستجابة لدعوة الهيئة الحكومية (إيغاد) فيما تغيب الطرف الآخر الذي تنصل أيضاً من توقيعه على “وثيقة مبادئ وأٌسس الحل الشامل للأزمة السودانية” التي عُرفت إعلامياً باتفاقية المنامة حيث وقع عليها نائب قائد القوات المسلحة السودانية، وقائد ثاني الدعم السريع، قبل أن يقلب لها الجيش ظهر المجن بإيعاز من حزب المؤتمر الوطني الذي يتحكم في قيادة الجيش ويوجهها كيفما وأينما شاء.
وأبدى (حميدتي) موافقة قوات الدعم السريع غير المشروطة على الجلوس إلى طاولة جنيف، فيما امتنع الطرف الآخر أيضاً.
بطبيعة الحال، لا أحد يستطيع أن ينكر هذه الحقائق التي أوردها قائد الدعم السريع، فقد ظل الرجل وقواته يقدّمان مواقف مبدئية ومسؤولة وشديدة الوضوح والقطعيّة إزاء قبول الحل التفاوضي رغم الانتصارات الكبيرة التي تحققها قوات الدعم السريع على الأرض والهزائم الساحقة التي تلحقها بالجيش والخسائر الكبير التي تكبده لها، الأمر الذي جعل من هذه القوات محل احترام القوى الدولية والإقليمية وتقديرها.
دعوة “حميدتي” إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية لمعرفة من أشعل الحرب ومحاسبته، وجدت صدىً كبيراً محلياً، وستجد ذات الصدى إقليمياً ودولياً، لأنها تمثل مطلب الشعب السوداني، فلا يمكن أن يُترك من أشعلوا الحرب وشردوا الشعب دون محاسبة، فلا بد من معرفتهم بدقة وتحميلهم جميع نتائج الحرب من انتهاكات ونهب وسلب وتشريد وقتل، فلولا أشعالهم هذه الحرب لما حدثت هذه الانتهاكات واسعة النطاق. كما أن التعرّف على الجهة التي أطلقت الرصاصة الأولى وأشعلت الحرب يؤدي إلى جبر الأضرار التي لحقت بالمواطنين ويفضي إلى حصولهم على تعويضات مناسبة، بحيث يتحمل الطرف الذي أشعل الحرب سداد فواتير الحرب بالقانون.
جدد قائد الدعم السريع التزامه بالحكم المدني والتحوّل الديمقراطي وإخراج العسكريين من السلطة والفضاء السياسي، وتأتي أهمية هذا التأكيد في كونه يعطي مصداقية وموثوقية في مبدئية الدعم السريع فيما يقوله في هذا الصدد، والتزامه غير المشروط به، مما يبعث الطمأنينة ويمنح الثقة في أنه لن يتراجع عن ذلك، خصوصاً أنه ظل يكرر ذلك ويشدد عليه في جميع خطاباته حتى أصبح كالشعار الرسمي للدعم السريع، فيما ظلت قيادة الجيش تتهم القوى المدنية والديمقراطية بالخيانة والعمالة وتدّون ضدهم البلاغات الزائفة وتحرم السياسيين المدنيين من حقوقهم المدنية مثل امتناع وزارة الداخلية عن تجديد جوازات سفر بعضهم، بل وتتوعدهم بالقتل والمطاردة والملاحقة عبر الشرطة الدولية (الإنتربول) وكأن القوى المدنية من أشعلت الحرب.
من المهم، أن نشير أيضاً إلى تنويه “حميدتي” وتذكيره وتأكيده أنه لا توجد حكومة شرعية في السودان منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، وهذه إشارة مهمة ولافتة منه، خصوصاً وأن سلطة الأمر الواقع التي تتخذ من مدينة بورتسودان عاصمة بديلة لها بعد هزيمتها في الخرطوم وهروب قادة الجيش من حصونهم وأنفاقهم وسراديبهم بليل هروب المهزومين المندحرين، تريد أن تنتزع اعترافاً بشرعيتها مقابل الجلوس إلى مفاوضات مع الدعم السريع، وهذا حدث مؤخراً في لقاء وفد (أبو نمو) بالمبعوث الأمريكي في مدينة جدة السعودية، ولكن هيهات أن ينال البرهان ومؤيديه من فلول النظام الإسلاموي الإرهابي البائد شرعية بطرق (غير شرعية).
ما يُميِّز خطابات حميدتي، جميعها، أن الرجل يتحدث مع الشعب السوداني والمجتعين الدولي والإقليمي باحترامٍ كبير ويتحلى بالمسؤولية التي ينبغي أن يتصف بها رجل الدولة، يقرأ من ورقة أمامه مُعدة سلفاً، ويضع نقاطاً محددة، ويتلو خطاباته من منبر رسمي وهو في كامل زيه العسكري، ويتحدث دائماً عن قضايا آنية وملحة ويؤكد على مبادئ راسخة من السلام ووقف الحرب والسماح بممرات إنسانية لإغاثة المتضررين، الإلتزام بالتحول المدني الديمقراطي وإخراج جميع الجهات ذات الطابع العسكري من معادلة الحكم والسياسة، ولا يخرج عن النص كما يفعل قائد الجيش ومساعد ياسر العطا، الذان يرتجلان الحديث ويسرفان في البذاءة والشتيمة واللغة السوقية ويبديان عداءً شديداً للمدنيين والسياسيين ويرفضان على الدوام إيقاف الحرب، ويشتمان الدول الشقيقة والصديقة والجارة شتائماً مقذعة ويوجهان الإهانة للجميع دونما تحفظ، وهذه الأمور لا تصدر عن رجال دولة ولا قادة جيوش محترمة ومنضبطة، وماذا تعني الجيوش غير الانضباط الصارم؟!
نعود، لنؤكد أن خطاب حميدتي الأخير، أكد على ذكاء الرجل الدبلوماسي وحضورة السياسي ومعرفته بأساليب مخاطبة الدول والمنظمات الدولية والإقليمية، ومخاطبة قضايا الشعب السوداني الذي أنهكته الحرب ويريد السلام عاجلاً ودون مماطلة، ومثل هذه الخطابات المسؤولة والملتزمة، هي التي تكسب المعركة السياسية والدبلوماسية في ختام المطاف، وبالتالي تكون قوات الدعم السريع قد (ضربت) فلول الكيزان وبرهانهم حتى الآن 2/ صفر – بلغة كرة القدم- واحداً بهزيمتهم عسكرياً وواحد آخر بهزيمتهم سياسياً ودبلوماسياً، أما الثالث فسيكون الهدف الحاسم، وقد اقترب.
إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 18 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 19 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 20 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 21 22إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 23 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 24 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 25 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 26 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 10