علي أحمد
قفزت إلى ذهني القصة المنسوبة إلى زوجة امبراطور فرنسا “لويس السادس عشر”، السيدة “ماري أنطوانيت”، القائلة: (دعهم يأكلون كعكعاً)، والتي قيل إنها أطلقتها عندما سمعت أخبارً عن أن الفلاحين الباريسيين صاروا فقراء جداً لا يستطيعون شراء الخبز، لتؤكد انها في وادي وشعبها في وادي آخر تماماً.
قفزت إلى ذهني القصة بعد قراءة خبر تنظيم الفرقة الثالثة مشاة بمدينة شندي حفل تخريج لطلاب الفندقة والسياحة، ولا بأس، وقد جاء في المثل الشعبي أيضاً في مثل هذه الخلاعة والخيابة: (الفاضي يهمّز أمه)!
والحقيقة لم تقفز قصة ماري انطوانيت في ذهني مباشرة وإنما استعدتها عنوة، لأنها المناسبة في هذا الموقف، وحتى أتجنب قول: “الناس في شنو والحسانية في شنو”؟
المثير للسخرية في هذا الخبر، ليس وجود قوات الدعم السريع على بعد كيلومترات قليلة من مقر رئاسة الفرقة، بحيث يمكنها مهاجمتها بينما هي مشغولة بالسياحة والفندقة وحفلات التخريج وتنظيم الدورات التدريبية في الفندقة والضيافة والطبيخ والبطيخ، وإنما ما هي علاقة الجيش بالسياحة؟ وأي سياحة هذي في زمن الحرب ولم نرها في أزمنة السلم؟، ومن هو السائح المجنون الذي سيغامر بالوصول إلى شندي المحاصرة والواقعة في بلد تدور فيه منذ نحو عام ونصف حرب ضروس؟!
أليس ما يفعله الجيش فيه نوع الطيش وخفة العقل والبلاهة؟!، أليس في ذلك استهتاراً واستفزازاً لمشاعر المواطنين الجوعي والمشردين في الآفاق داخل البلاد وخارجها، أن تنظم دورات دراسية في تخصص مثل السياحة والفندقة في زمن الحرب؟، أليس في ذلك إنكاراً للواقع يصل مرحلة انفصام الشخصية وانفصالها النفسي عما يدور حولها، لدرجة أنها تعقد دورات للسياحة وكأن “حجر العسل” التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع وتتجاوزها إلى محيط شندي، تبعد آلاف الكيلومترات من الفرقة الثالثة مشاة؟!!.
هل السياحة تخصص ضروري لهذا الحد، فيما المدارس والجامعات والكليات المهمة ذات الصلة بحياة المواطنين مثل الطب والزراعة والصيدلة والمختبرات والكلية الحربية نفسها؛ مغلقة؟ ثم مرة أخرى ما علاقة الجيش بالتعليم وما علاقته بالسياحة؟!
بالفعل، يمكن لهذا الجيش الكيزاني المأفون أن ينشط في أي شئ، وأن يفعل كل شئ، عدا عمله وتخصصه الرئيسي الذي من أجله تم تأسيسه، وقد أثبت خلال نحو عام ونصف من الحرب التي أشعلها في 15 أبريل، 2023، أنه لا يجيد حتى الدفاع عن نفسه، وأنه عاجز عن حماية مقراته دعك عن المواطنين الذين تركهم يواجهون مصيرهم وهرب أغلب ضباطه وقادته ناجين بأنفسهم إلى شرق السودان وخارجه، وظل هذا الجيش في حالة هروب مستمر وانسحابات متواصلة وهزائم متلاحقة من قوات الدعم السريع، وفشل قادته (خريجو الكلية الحربية) في إدارة المعركة والتخطيط لها وأثبتوا للعالم إنهم لا يمتلكون الحد الأدنى من القدرات والكفاءة العسكرية ولا يملكون كذلك الحد الأدنى من القيم الإنسانية والأخلاقية، ولا يتوفرون على الحد الأدنى من الشجاعة والفراسة والثبات لثواني معدودة في ميدان القتال؛ لذلك تجدهم ينصرفون إلى إمور تافهة لا قيمة لها مثل ورشة “إعادة تعمير الخرطوم” التي التأمت في بورتسودان خلال اليومين المنصرمين برعاية قائد الدهماء والغوغاء والانصرافيين؛ عبد الفتاح البرهان، وتنظيم حفل تخريج لدورة السياحة والفندقة برعاية الفرقة الثالثة مشاة، وقبلها تحويل مقار فرق الجيش لمراكز “دايات” تمارس فيها ختان الأطفال، كل ذلك من أجل صرف أنظار المواطنين المغلوب على أمرهم عن ما يلحق بهم من هزائم مهينة يوماً بعد آخر، وأيضاً لأنه (جيش كيزان)، شعاره الأثير هو (الرد بالسد)، لذلك يهرب من المواجهة في ميادين المعارك والقتال الحقيقية، ويرد في ميادين التفاهة والسياحة والختان والخلاعة!
فعلاً، هذا الجيش يمكنه فعل أي شئ، عدا وظيفته وعمله الرئيسي، إنه جيش الأغبياء أصحاب الكروش المنتفخة والقلوب المرتجفة، بائعي الفحم و”حطب الطلح” وكل ما له علاقة بالفساد والسرقة والعمالة والخيانة!.
إنه جيش يستلهم أفكاره وبرامجه ورؤاه وخططه من مقولة (ماري أنطوانيت) السالفة “دعهم يأكلون كعكعاً”، فقد ظل منذ بداية الحرب يبشر بانتهائها ويتحدث عن إبادة تامة لقوات الدعم السريع ويتحدث كذلك عن التنمية وإعادة الإعمار ونجاح الموسم الزراعي وينكر بشدة وجود مجاعة في البلاد، إنه جيش مصاب بمرض الانفصام المزمن، إنه رجل السودان المريض، إنه يحتضر ويتقلب الآن على (مشارف الموت)، نسأل الله أن يأخذه ويسترد أمانته، عوضاً عن تركه يتقلب في هذا العذاب الأبدي، لا حي لا ميت.
آمين.