مواطنة شجاعة فتحت بلاغاً في مواجهة أفراد من الشرطة بارتكاز كبري عطبرة، بعد أن نهبها أفراد الشرطة المتواجدين بالإرتكاز كافة مدخراتها (أكثر من خمسة الف دولار)، كانت تعول عليها لإستئناف حياتها وأسرتها، بعد هروبها من جحيم الحرب بالخرطوم وهي مشردة ضائعة وسط هذا الهرج، ووجهت نداء عبر الوسائط ل (جراب الفول) والي عطبرة لمتابعة الإجراءات لرد المبلغ إليها بكل أدب.. ومبعث احترامي وتقديري لها ليس في بحثها عن حقها (المنهوب) عياناً بياناً نهاراً علناً ولكن لشجاعتها في فتح الموضوع من أساسه، ولم تخف بأن تتهم بأنها خلايا دعامية نائمة، وأن هذه الأموال مرسلة لدعم الأعمال الإرهابية بالمدينة كعادة التهم الجاهزة، خاصة وقد سبقتها في ذات الارتكاز حادثة سابقة لامرأة حكم عليها بالإعدام فقط لأنها كانت تحمل ورقة مستشفى يخص الدعم السريع.
وبكل تأكيد وهي نفسها تعلم ذلك بأن المبلغ لن يعود إليها، فلا أحد يستطيع أن يقدم أفراد ذلك الموقع للعدالة، خاصة وأنها قد ذكرت بأنهم لا يرتدون الزي العسكري، ما يعني بأنهم من المستنفرين والمستحمرين، أو كتائب البراء أو غيرها من كتائب النهب المنتشرة في طول البلاد وعرضها، أو مجموعة الهاربين من السجون الذين يرفعون نداء (بل بس) لمواصلة النهب والسرقة تحت ظل حكومة الفوضى التي تصر على إدارة البلاد، وهذا كله لاينفي مسئولية القوة المعينة من الشرطة لإدارة الإرتكاز، وهي بكل تأكيد تعلم من هم طالما أنهم كانوا متواجدين بالموقع بكل أريحية.
الحادث واحد من مئات أو آلاف حوادث النهب التي تحدث كل يوم في نقاط التفتيش التي يقيمها طرفي الحرب في مناطق سيطرتهم، والعديد منها ليس تحت سيطرة أو إذن من القيادات العليا، بل إن حوادث النهب تتم أحياناً داخل النقاط الفوضوية المنصوبة داخل المدن الكبيرة، والتي يدعي كل طرف منهما بأنها آمنه وتحت سمع وبصر الجميع.. زمن الفوضى واللا قانون والتي راح ضحيتها عديد من المواطنين الأبرياء ولم يمتلكوا الشجاعة للمطالبة باستردادها وهم يعلمون بأن لا جدوى من ذلك، بل إن مطالبتهم ستجر عليهم نافذة من جهنم ففضلوا الصمت.
لا يموت المواطن السوداني البسيط اليوم من القصف والرصاص والمسيرات والأمراض والجوع وحدهم، بل يموت (الف مرة) وهو المواطن الذي ظل يعيش بكرامتة ولايرضى الإهانة والحقارة من القهر والإستبداد والتسلط الذي يمارسه جنود طرفي القتال (الملاقيط) اللصوص الذين صاروا لا دين لهم غير السب ولا أخلاق لهم غير الإهانة..
رحم الله أديبنا الطيب صالح، فقد أوجز ما تعانيه البلاد اليوم في كلمتين، وسؤال ظللنا نطرحه على أنفسنا دوما:
*من أين أتى هؤلاء… !؟*
والثورة لابد أن تظل مستمرة..
والقصاص أمر لا بد منه..
والرحمة والخلود للشهداء..
الجريدة