ابراهيم مطر
في الوقت الذي كان فيه قائد الجيش السوداني “عبد الفتاح البرهان”، يتحدث في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن ضرورة إصلاح مجلس الأمن، والإنهاء الفوري للعدوان على “غزة”، وأهمية مواجهة تحديات التغير المناخي، وجد خطاب قائد قوات الدعم السريع – الذي نشر بالتزامن مع خطاب البرهان – اهتماماً إعلامياً كبيراً، وتغطية صحفية واسعة، واحتل حديثه عن استعداده لوقف إطلاق النار الشامل والمضي باتجاه عملية تفاوضية لإيصال المساعدات ووقف الحرب، عناوين الأخبار في أضخم المؤسسات الإعلامية في العالم.
قال قائد قوات الدعم السريع في رسالته للجمعية العامة للأمم المتحدة، أن قادة النظام القديم وأيادي الدولة العميقة للحركة الإسلامية السودانية الإرهابية، هم من أشعلوا حرب الخامس عشر من ابريل، بعد أن أسقط الشعب السوداني نظامهم عبر ثورة ديسمبر المجيدة، وأضاف:(استخدمت قوى الردة والظلام قيادة القوات المسلحة لمقاومة التغيير،وإعاقة مسيرة التحول الديمقراطي بانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، الذي صوبنا موقفنا منه بإجراء مراجعات صادقة، في حين ظلت قيادة القوات المسلحة المتحالفة مع قادة النظام القديم، تسعى باستمرار لإعاقة الجهود المبذولة لإنجاح العملية السياسية، التي كانت على وشك الاكتمال لولا استهدافنا غدراً وجر البلاد إلى الحرب المدمرة).
وتابع:(تفجرت حرب الخامس عشر من أبريل 2024، والتي كنتيجة مباشرة لرفضنا الانقلاب على الحكومة المدنية وتمسكنا بالعودة ويأتي رفضنا منح الشرعية لقائد الانقلاب، استناداً إلى إعلان المؤسسات الإقليمية والدولية. بما في ذلك الاتحاد الأفريقي، ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي، والتي سبق وأن أعلنت رفضها للانقلاب، الذي قوض الحكومة الانتقالية، وأوقف عملية التحول الديمقراطي في السودان، وذلك باتخاذ قرارات تدين الانقلاب، وتطالب بإعادة السلطة إلى المدنيين).
وفي الوقت الذي كان البرهان – الذي امتلأت وسائط التواصل بالصور والفيديوهات التي تجمعه مع قادة كتائب الحركة الإسلامية – يتحدث عن عدم ارتهان الجيش لأي تنظيم سياسي، ويحاول إقناع الجميع أنه يسعى للتحول المدني الديمقراطي، الذي انقلب عليه هو نفسه، قبل ثلاثة أعوام، كان “حميدتي” يتحدث عن أن التعاون بينهم وتحالف وسطاء محادثات جنيف حتى الشهر الماضي، أثمر عن وصول ما يفوق الـ 3114 طناً مترياً من الإمدادات إلى حوالي 300ألف شخص في دارفور، نتيجة لجهود مجموعة “متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان”، وعن إصدره توجيهات صارمة لقواته، تسهيلاً لانسياب المساعدات دون تعقيدات بيروقراطية.
ويضيف:(رغم سيطرتنا الفعلية على أكثر من %75 من ولايات السودان وقديه الرئيسية، والتأييد العريض لتوجهاتنا من غالب المكونات المجتمعية إلا أننا لم نحتكر الشرعية على قواتنا، ولم نسع إلى تشكيل حكومة مثلما يتهافت قادة الجيش الذي يخضع لأوامر جهات سياسية تفتقر للشرعية الدستورية).
وفي الوقت الذي جدد فيه قائد قوات الدعم السريع التأكيد على استعداده التام لوقف إطلاق النار في كافة أرجاء السودان للسماح بمرور المساعدات الإنسانية، وتوفير ممرات آمنة للمدنيين وعمال الإغاثة، وبدء محادثات جادة وشاملة تؤدي إلى حل سياسي شامل، وإقامة حكومة مدنية تقود البلاد نحو التحول الديمقراطي والسلام الحقيقي الدائم، وعن الأهداف السامية والقيم النبيلة التي تأسست من أجلها منظمة الأمم المتحدة، وعن “ضرورة الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وحماية حقوق الإنسان، وتقديم الإغاثة أو المساعدات الإنسانية، وتعزيز التنمية المستدامة”، كان البرهان يقاتل قوات الدعم السريع بالشتائم والسباب، و”المليشيا”، و”آل دقلو”، وغيرها من الخطب التي قد تصلح أمام جمع من المستنفرين في مناطق سيطرة الجيش، لكنها بالتأكيد لا تصلح أمام عالم يسمع ويرى، ويعرف عن الحركة الإسلامية أكثر مما يعرف البرهان نفسه.
وعندما كان البرهان – الذي تتصدر تنقلات المطلوبين للجنائية من عناصر النظام السابق في مناطق سيطرته عناوين الأخبار -يتحدث عن “وجوب المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب والعودة لمسار الإنتقال السياسي الديمقراطي “الذي انقلب عليه”، ويحاول أن يقنع المجتمعين بالتزامه بثورة ديسمبر المجيدة في في تسليم السلطة “التي أدخل البلاد بسببها في حرب ضروس” لأي حكومة توافقية أو منتخبة، ويقسم أنه لن يسمح بعودة النظام السابق – الذي عاد بالفعل – إلى سدة الحكم، ويؤكد إسهامه الإيجابي الكذوب في تسهيل عملية الإنتقال إلى الحكم المدني، كان حميدتي يتحدث عن تاريخ الشعب السوداني النضالي الباذخ ضد الانقلابات والأنظمة الشمولية، ويقول بأن جيل ثورة ديسمبر المجيدة، مضى خطوات متقدمة بإقراره الشرعية المدنية الكاملة للحكم، وقاوم انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، مقدماً في سبيل تطلعاته المشروعة، مئات الشهداء.
جعل التزامن بين خطاب قائد قوات الدعم السريع والبرهان المقارنة حتمية، بل هي أول ما يتبادر إلى الذهن فلا تجد في خطاب البرهان سوى الشتائم وعزمه الشفهي على الانتصار ةمطالبته للعالم بأن يعينه على حربها، وبعض الأكاذيب المفضوحة عن انحيازه للثورة والتحول الديمقراطي، ولا تجد كذلك بداً من احترام خطاب قائد قوات الدعم ووصفه بالمسؤولية على سبيل الإنصاف.