إبراهيم مطر
إنها ليست مزحة، ولا نكتة سيئة، فقد ذرفوا الدموع بالفعل على مقتل “السنوار”، ودبجوا فيه خطب الثناء، قالوا إنه بطل، وقالوا أنه شهيد، رفعوه لمرتبة الأنبياء، وقالوا إنه نصف إله، ودعوا له بالدعوات الصالحات. امتلأت صفحاتهم الشخصية في مواقع التواصل بصوره، وأنفقوا في الثناء عليه أغلب ما ورد في قواميس الفخر من كلمات، وكانت إنجازات السنوار التي استحق عليها كل هذا الثناء من مدعي الانتماء لليسار، هي قتل 1538إسرائيلياً منهم 764 مدنياً، وأُسر 248 آخرين، خلال الهجوم على إسرائيل من قطاع غزة، فأحالت إسرائيل بسبب إنجازاته هذه القطاع إلى حفرة من حفر النار، قتل فيها عشرات الآلاف في عام من الصراع قبل تمكن إسرائيل من رقبته وقتله.
وكانت المفارقة في أنه وبينما يدعوا الغزاويون على حماس والسنوار بالويل والثبور وعظائم الإمور، تهافت يساريو السودان الكذبة، على رثاءه وتعديد مناقبه وبطولاته “الجهادية” العظيمة، بكوا بالدمع السخين على “إرهابي” أحال حياة الفلسطينيين إلى جحيم إرضاءً لولي نعمته الفقيه في طهران، فيما عرف بمحور “المفاخذة”، عطفاً على إباحتهم لها في المذهب الشيعي. فضحت دموعهم ما تحمل صدورهم من حنين لرجل الدين المعمم، وهو حنين لازم تجربتهم، منذ نشأة الأحزاب الشيوعية في أربعينيات القرن الماضي.
لليسار السوداني اليوم صنم وشيخ إذن، يشوه وجهه الرضوخ لإرادة الحركة الإسلامية البلهاء، تشعر بالرثاء حين تراهم يتلعثمون في محاولة لتبرير تحالفهم مع القتلة، متوترون يصلون بالنقاش لحدود الشخصنة والشتم والإساءة بلا مسوغ يذكر، سوى دافع من خجل مكتوم على انحناءتهم المذلة لما يفترض أنه العدو التاريخي للحركة الوطنية، وبعد سنوات من ادعاء الكبرياء، لكن يبدو أنهم فقط “تعبوا من التمثيل حين وافقت أفعالهم ما تحمل نفوسهم من تناقض، ومن أمراض.
بكى اليساريون على المععم الشيعي “حسن نصر الله”، شيطان لبنان الذي أعلن غير مرة ولائه للمرشد الأعلى ولي الله الفقيه في طهران “علي خامنئي”، وأخذ عهداً على نفسه بأن يسلمه “لبنان” قرباناً للجنة التي وعده بها ذات يوم، فتفرقت بلاده شذر مذر. الغريب أنهم أخفوا دموعهم التي سالت على الوجوه حزناً علي “نصر الله”، وأعلنوها حينما سالت على مقتل السنوار. قال نزار:(لو أنهم من ألف عام/ حرروا زيتونة/ أو أعتقوا ليمونة/ ومحوا عن التاريخ عاره/ لشكرت من قتلوك يا بلقيس يا محبوبتي حتى الثمالة/ لكنهم تركوا فلسطيناً/ ليغتالوا غزالة).
وقد أشرنا في مقال لنا سابق، إلى أن تاريخ اليسار ارتبط بتحالفات له مع التنظيمات الدينية المتطرفة، فتحالف اليساريون مع الثورة الإسلامية في إيران بقيادة “الخميني” قبل أن يصبح الحزب الشيوعي في إيران أثراً بعد عين، و مع حزب الله نفسه بقيادة “نصر الله”، قبل أن يعمل فيهم الاغتيالات. لكن ما يثير العجب هو تحالف الحزب الشيوعي مع الحركة الإسلامية ملطخة اليدين بدماء اليساريين قبل غيرهم، إذ ما زال دم الشهيد “علي فضل” ينزف في ساحات المحاكم الزور طلباً للقصاص، ولا زالت روح القيادي الشيوعي “سعودي دراج” تتطلع لإنصافها عما تحمل الجسد في حياته من تعذيب ومن إذلال على يد الأوباش في معتقلات الحركة الإسلامية السرية. لكن صدق أو لا تصدق، أن من بين الشيوعيين السودانيين اليوم من ينشد مع القتلة “براؤون يا رسول الله”، ويردد شعارات أصحاب اللحى الآثمة هؤلاء، ويدعو بدعوى الجاهلية، أخزى الله سعيهم، وقبح وجوههم.
“التغيير قادم في السودان، طال الزمن أم قصر”، قال وزير العدل السابق “نصر الدين عبد الباري”، وكذلك تقول قرائن الأحوال في حرب السودان التي ستطول بلا شك، وستسفر عن كثير. لكن لن يكون هناك وجود للحزب نفسه، بعد أن حول لفظة “شراكة الدم” – قميص عثمان الذي كانت ترفعه في وجه القوى المدنية – لواقع ملموس، يمد لسانه لقبور شهداء اليسار ممن قتلهم حليف اليوم، ذلك المعمم الجالس في إيران على كرسي مكتوب فيه “ألا إن كلمة الله هي العليا”، فقام في بلاد فارس وفي غيرها مقام الإله.
وبمثلما يقاتل الشيشاني “رمضان قديروف” الأوكرانيين اليوم انحيازاً لروسيا تحت راية “لا إله إلا الله”، يعلن الحزب الشيوعي السوداني عن تمسكه بمذهب السيستاني وخامنئي، ويمضي على هدى الولي الفقيه.