سعد الدين الماحي
(ما أن تم الإعلان عن دخول قوات الجيش لمدينة “تمبول”، أكبر مدن المنطقة، حتى هاجمتها قوات الدعم السريع، وطردت قوات الجيش، ثم نكّلت بالمواطنين المدنيين بقتل وإصابة المئات، وتهجيرهم من مناطقهم).
وما ورد أعلاه ليس حديثاً لمجرد “فلنقاي”، يتكسب من هز ذيله لخنازير الحركة المسيلمية، بل هو لـ”فيصل محمد صالح”، وزير إعلام الثورة “الخيخة”، الذي ظل متماهياً مع إعلام الثورة المضادة لدرجة شككت في أهليته لتولي المنصب، فعندما كانت صحف الثورة المضادة تلهب ظهور الثوار بالأكاذيب، وتنشر خطاب الكراهية والعنصرية، وقف “فيصل محمد صالح” سداً منيعاً في وجه إيقافها، مكتفياً بمقولته الهزيلة “أنا ما بقفل لي جريدة”، والشهود على قفا كمن يشيل.
أصر “فيصل” في دأب شديد إبان توليه للوزارة، على استمرار إعلام الثورة المضادة، يطعن الثورة في ظهرها صباح مساء. فاكتفى الثوار منه بقرار إقالته احتراماً له، ووفاء لما جمع بينه وبين الكثيرين من أواصر. لكن المعجزة أن هذا الـ”فيصل “بات ينعق من داخل سرب الفلول والحركة الإسلامية بعد أن طال صمته، ملمحاً فيما يشبه التصريح، بانحيازه للحركة الإسلامية، في حربها على السودانيين.
كتب وزير الغفلة في حكومة حمدوك الأولى مقالاً عن أحداث “شرق الجزيرة” جاء فيه:(شنَّت قوات الدعم السريع حملة انتقام وترويع ضد كل سكان المنطقة وقراها المتعددة، رداً على انشقاق وهروب كيكل، وصار كل المنتمين إلى قبائل المنطقة، خصوصاً قبيلة “الشكرية”، هدفاً لهجماتها “التتارية”).
يجزم الوزير “الخيخة”، بأن قوات الدعم السريع شنت “هجمات انتقامية” في ولاية الجزيرة، على الرغم من عشرات الفيديوهات التي انتشرت على الوسائط، توثق حشود المستنفرين الكبيرة والمدججة بالأسلحة الثقيلة، تعلن عن توجهها لقتال قوات الدعم السريع، ويتصنع “العمى والصمم” عن نداءات الدعم السريع للقبائل بعدم التسليح، وعدم الدخول في الحرب، كونه لا يستهدفهم، بل لا يخدم استهدافهم غرضاً في تحقيق شعارات الدعم السريع المعلنة، وهي القضاء على إخوان الشياطين وإقامة جيش مهني موحد. لكن الغرض مرض، وها هو وزير الثورة ينحدر إلى درك التحريض القبلي كأي بلبوسي كانت الحركة الإسلامية تترك له الفتات في سنوات حكمها، فلم يتردد في تشبيه قوات الدعم السريع بالتتار، مستبطناً وصفهم بالأجانب استلافاً من خطاب “علي كرتي” وإخوانه، وجازماً بأن الدعم السريع يستهدف كافة قبائل المنطقة، وخصوصاً “الشكرية”، مؤيداً لما يصرح به الفلول، ومتحولاً إلى ذباب إلكتروني إخواني يدعم العنصرية وخطاب الكراهية دون حياء، خاصة وهو الإعلامي صاحب الخبرات الطويلة والمعرفة التامة بالإعلام الضار. فيا للأسف على من رفعته الثورة لمرتبة الوزير لكي يجمع، وها هو اليوم أشد حرصاً على الفرقة والتناحر، وعلى أن يكون بأس السودانيين بينهم شديد. أخزى الله سعيه، وأبطل مسعاه.
تحول الوزير الفاشل إلى بوق للحركة الإسلامية يشجع تسليح المواطنين والزج بهم في الحرب فيقول:(انتظم أبناء المنطقة في “استنفار قبلي مضاد” للدفاع عن أهاليهم، وبدا أن الجيش يفضّل دعم هذا الحشد القبلي ومساندته بخطابات التعبئة والتهييج، بدلاً من دخوله في مواجهات مباشرة مع الدعم السريع).
وهنا يفقد “فيصل” السيطرة، ويفضح نفسه بنفسه حين يقول “استنفار قبلي مضاد”، دون أن يذكر القبائل التي استنفرت في مواجهة قبائل شرق الجزيرة، حتى يكون هناك ما يمكن أن يطلق عليه “استنفار قبلي مضاد”، وبالطبع لا يمكن أن يفوت على الصحفي المخضرم مثل هذه القاعدة البسيطة، لكنه أراد أن يختزل حرب أبريل في أنها مواجهة بين “قبائل عرب دارفور”، و”قبائل شرق الجزيرة”، متبنياً رواية الفلول الكذوبة، ومتجاهلاً حقائق باتت راسخة عمن أشعل الحرب ولماذا، وخائضاً في وحل العنصرية البغيض، ليصير بوقاً من أبواق الإسلاميين القتلة، بعد أن صمت دهراً ونطق كفراً.
وسرعان ما انتقل وزير الثورة العنصري في مقاله إلى التحريض على الحرب الأهلية فيقول أن قوات الدعم السريع “لم تفرّق بين رجل أو امرأة أو طفل”، وأنها “تعمَّدت تهجير المواطنين من قراهم ومطاردتهم”، وهو لعمري كذب بواح، كشف عن كل ما في دواخل الرجل من إحن لا تنتمي لثورة ديسمبر المجيدة من بعيد ولا من قريب.
ويمني “فيصل” نفسه صراحة بانتصار الحركة الإسلامية في معركة كرامة أحمد هارون فيقول:(النتيجة النهائية لهذه المعارك ستكون خروج قوات الدعم السريع من المنطقة، بعد أن فقدت أي قبول لوجودها، وثبت عدم وجود أي مشروع سياسي لها، وربما تخرج من كامل منطقة وسط السودان بما فيها ولايتا الجزيرة وسنار).
يكتفي هذا الوزير “القنوع” من أمنياته القاتلة بخروج الدعم السريع من الجزيرة وسنار، تماماً كـ”علي كرتي”، ورفاقه من المجرمين، ويدعي أنه كان فاقداً للذاكرة من تاريخ الخامس والعشرين من أكتوبر2021، وحتى أكتوبر من العام 2024، وأنه استيقظ من سباته بعد انشقاق “كيكل: ومعارك الجزيرة الأخيرة، وهو ادعاء مضجك ومفضوح. وقديماً قيل:(الليل والنهار واحد على العميان، واللوم والشكر واحد على السجمان).