التاريخ: 9 نوفمبر 2024
مقدمة
يستمر الصراع المسلح في السودان في التسبب بكارثة إنسانية شديدة الخطورة، تتسع آثارها وتتفاقم بشكل متواصل، مما ينذر بتبعات وخيمة على المدنيين الذين يُحاصرون في مناطق النزاع ويصبحون أهدافاً مباشرة للهجمات العسكرية. تُراقب المنظمة الإفريقية للعمل الإنساني والتنمية، بقلق بالغ، تصاعد الهجمات الجوية التي تنفذها القوات الجوية السودانية ضد المدنيين الأبرياء في ولايات دارفور، وتحديداً في مدينتي نيالا وبليل. وفي شهر أكتوبر 2024 وحده، أودت هذه الهجمات بحياة أكثر من 800 مدني، في حملة وُصفت بأنها ممنهجة وذات دوافع انتقامية، تستهدف المدنيين على أسس إثنية وسياسية، خاصةً أولئك الذين يعارضون الانخراط في كتائب الاستنفار المعروفة بـ”كتائب البراء”.
توصيف الجرائم المرتكبة وأهدافها الانتقامية
تشهد دارفور منذ أشهر طويلة استهدافاً مباشراً للبنية التحتية والخدمات الأساسية التي يعتمد عليها المدنيون للبقاء على قيد الحياة. فالجيش السوداني يستخدم تكتيكات عسكرية تدمر المستشفيات والمدارس والأسواق والمرافق الأساسية الأخرى، متسبباً بضرر غير قابل للإصلاح وموضحاً إصراره على جعل الحياة مستحيلة في هذه المناطق. ويأتي هذا الهجوم العنيف في سياق عمليات ممنهجة تستهدف القضاء على قدرات السكان المحليين على البقاء أو المقاومة، كما تظهر نية واضحة في الانتقام من أولئك الذين لا يرضخون لمخططات التجنيد الإجباري باسم “الجهاد” و”الدفاع عن الوطن”.
الأحداث المأساوية في نيالا وبليل: وقائع وأرقام
في التاسع من نوفمبر 2024، شنت القوات الجوية السودانية، بمساندة من الطيران المصري، هجمات مكثفة استهدفت أحياءً سكنية في مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، باستخدام البراميل المتفجرة. وقد أسفر هذا الهجوم عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، حيث قُتل ما لا يقل عن 20 شخصاً وأُصيب أكثر من 64 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال. ووصف شهود العيان هذه الحادثة بـ”المجزرة المروعة”، مشيرين إلى أن الجثث كانت متناثرة في الشوارع والمنازل، وأن الدمار كان شاملاً، مما حول المدينة إلى مسرح لمأساة إنسانية لا يمكن وصفها.
الجرائم المرتكبة في بليل: اعتداءات على معسكرات النازحين
في إطار التصعيد المستمر، شن الطيران الحربي التابع للحكومة السودانية هجوماً آخر على معسكر للنازحين في محلية بليل، شرق مدينة نيالا. وقد تسبب هذا الهجوم الوحشي في مقتل ما يقارب 100 شخص، معظمهم من النساء والشيوخ والأطفال، وإصابة عشرات آخرين بجروح بليغة. وتعد هذه الهجمة من أفظع الجرائم التي ترتكبها القوات الجوية، حيث تهدف إلى إبادة التجمعات السكانية التي تعتمد على هذه المعسكرات كمأوى من الصراع الدائر.
الأثر الإنساني لاستهداف المدنيين والبنية التحتية
إن استخدام سلاح الجو السوداني لبراميل متفجرة وأسلحة عشوائية في مناطق مكتظة بالسكان، يعكس عدم اكتراث تام بحقوق الإنسان وحياة الأبرياء. وتؤكد المنظمة الإفريقية للعمل الإنساني والتنمية أن هذه الأساليب تندرج ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، حيث يتم استهداف المدنيين عمداً بهدف إخضاعهم أو تهجيرهم قسراً من مناطقهم. وإلى جانب الخسائر البشرية الهائلة، يعاني السكان من انعدام الرعاية الصحية، ونقص المواد الغذائية، وفقدان الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه، مما يجعل بقاءهم في هذه المناطق أمراً بالغ الصعوبة.
التأثير على النسيج الاجتماعي وتفاقم الانقسام الإثني
إن استهداف المدنيين على أسس إثنية وسياسية يؤدي إلى تفكيك النسيج الاجتماعي في دارفور ويعمق من الكراهية والاحتقان بين المجتمعات المحلية. ويبدو أن الهدف من هذا التصعيد العسكري هو تفتيت المجتمعات وتجريدها من قدرتها على الوحدة أو التكاتف، مما يمهد الطريق لاستمرار الصراع لفترات طويلة، بل ويعزز فكرة الانتقام المتبادل بين الجماعات، بما يؤدي إلى دوامة لا نهاية لها من العنف والمعاناة.
المطالبة الدولية بفرض حظر جوي
في ظل هذه الجرائم المستمرة التي يرتكبها سلاح الجو السوداني، نطالب المجتمع الدولي بضرورة التحرك العاجل لفرض حظر جوي على دارفور، كخطوة أساسية لحماية المدنيين من الهجمات العشوائية التي تستهدف حياتهم ومصادر رزقهم. وقد أظهرت التقارير الميدانية أن استمرار السماح للطيران الحربي السوداني بالتحليق فوق دارفور يتيح له شن هجمات وحشية ضد تجمعات سكانية آمنة، مما يحول مناطق الصراع إلى مناطق شبه مغلقة، لا يمكن فيها تقديم المساعدات الإنسانية أو توفير الحماية اللازمة للمدنيين.
دور المجتمع الدولي والمسؤولية القانونية
إننا نناشد جميع المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، بما في ذلك الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، بتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه هذه الجرائم، والعمل على تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة. إن الصمت الدولي أو التغاضي عن هذه الانتهاكات يعطي الضوء الأخضر للجيش السوداني لمواصلة ارتكاب المزيد من الفظائع بحق المدنيين. ونرى أنه من الضروري تشكيل لجنة تحقيق دولية متخصصة للتحقق من هذه الجرائم، وتقديم تقارير دورية إلى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ إجراءات ملزمة لحماية المدنيين.
خاتمة وتوصيات
إن تصاعد العنف ضد المدنيين في دارفور، واستهدافهم بشكل ممنهج، ينذر بكارثة إنسانية قد يمتد تأثيرها إلى أجيال قادمة. وتؤكد المنظمة الإفريقية للعمل الإنساني والتنمية أن أي تهاون في مواجهة هذه الجرائم أو تأخير في فرض حظر جوي سيعني السماح باستمرار قتل الأبرياء، وتفاقم معاناتهم.
توصيات المنظمة الإفريقية للعمل الإنساني والتنمية:
1. فرض حظر جوي عاجل: ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي خطوات فورية لفرض حظر جوي على دارفور، لمنع الطيران العسكري السوداني والمصري من استهداف المدنيين والبنية التحتية.
2. تحقيق دولي في جرائم الحرب: الدعوة لتشكيل لجنة تحقيق دولية تحت إشراف الأمم المتحدة، للتحقيق في الجرائم المرتكبة بحق المدنيين في دارفور، وتقديم المسؤولين عنها إلى المحاكمة.
3. تأمين وصول المساعدات الإنسانية: العمل على تأمين ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية، وضمان حماية المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة.
4. دعم جهود المصالحة الوطنية: تشجيع المجتمع الدولي على دعم مبادرات المصالحة الوطنية التي تهدف إلى بناء السلام بين المجتمعات المحلية، وتوفير برامج دعم نفسي واجتماعي للضحايا.
الختام
إن المنظمة الإفريقية للعمل الإنساني والتنمية تحذر من أن استمرار المجتمع الدولي في تجاهل الوضع المأساوي في دارفور سيؤدي إلى كارثة إنسانية يصعب احتواؤها في المستقبل. إن المعاناة التي يعيشها السكان المدنيون لا يجب أن تمر دون رد فعل حاسم، حيث إن حياة آلاف الأبرياء ومصيرهم مرتبط بشكل مباشر بقدرة المجتمع الدولي على اتخاذ قرارات شجاعة. إن فرض حظر جوي وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة سيمنح المدنيين فرصة للبقاء ويضع حداً للجرائم البشعة التي تُرتكب في حقهم.
نوجه هذا التقرير إلى جميع الجهات الدولية الفاعلة، وندعوها لتحمل مسؤولياتها في وقف حمام الدم ومعاقبة المتسببين في هذه الجرائم، كي لا تصبح دارفور شاهداً على مأساة إنسانية جديدة تُغلق فيها أبواب العدالة ويُترك الأبرياء لمصير قاتم.
للتواصل:
المنظمة الافريقية الاوروبية للعمل الٳنساني والتنمية
البريد الٳكتروني: Email: [email protected]
وتساب: +33766119460