عبد الرحمن الكلس
ليس هناك انتهازي من بيت المهدي بوزن عبد الرحمن الصادق المهدي، هذا الرجل الذي سلّم رقبته لعمر البشير مساعداً بلا مهام لسنوات عديدة، اختفى مع تباشير الثورة وانهيار النظام؛ وواصل خلوته المجيدة وعزلته التليدة وصمته الأبدي عندما اشتعلت الحرب وانهارت البلاد على أيدي حلفائه الكيزان، الذين شردت بنادقهم ونيرانهم الشعب السوداني وحوّلته إلى أكبر كتلة بشرية لاجئة في العالم، فقد كل شيء – ولم يبقَ على شيء، وظلّ (اللواء) صامتاً مختفياً.
أول أمس، ظهر الرجل بهيئة تاريخيّة تراثية ساخرة، وكأنه قادم للتو من كرري أو أم دبيكرات إلى الحاضر، وخطب في الشعب المكلوم خطبة كلاسيكية مسجوعة يُفزع منها ورقة بن نوفل وينخلع لها قلب الحجاج بن يوسف، وقال خلالها كلاماً غبياً وثرثر فيها ثرثرة بليدة، بينما يقف خلفه جنديان في “جناح أم جكو” وبندقيتان آليتان وعمامات دراويش القرن التاسع عشر، في نموذج ديكوري مناسب للمشهد الذي تعيشه بلادنا حالياً، حيث حوّل معاتيه الحاضر السودان كما فعل به دراويش الماضي الذين أحالوا السودان خلال (13) عاماً من حكمهم إلى دولة للمجاعات والموت والدمار والخراب والفوضى، حتى سار عليهم المثل الشعبي “إنت قايل الدنيا مهدية”، كناية عن الفوضى الضاربة والعشوائية الضارية، حيث تناقص وتقلص عدد سكان السودان خلال سني حكمهم جراء الحروب والمجاعات والأوبئة إلى أقل من 2 مليون نسمة، في إبادة للشعب السوداني لا يضاهيها عبر التاريخ سوى إبادة نظام الإنقاذ وتوابعه الحاليين الذين عمل هذا المتمهدي الصغير مساعداً لهم، ولا يزال!
هذا هو النموذج الذي قدمته لنا (مهدية عبد الرحمن)؛ ويريد تكراره في “مهدية” ثانية، فيما لم يقدم هو على المستوى الشخصي غير استغلال رمزية جده الثاني، فعندما التحق هذا الرجل بجيش الأمة لمقارعة انقلاب الكيزان (1989)، لم يخض معركة واحدة، لكن عندما تصالح والده الإمام الصادق المهدي مع البشير، استُوعب ضابطاً بالقوات المسلحة برتبة عسكرية كبيرة لا يستحقها (ضابط خلوي)، حتى بلغ لواءً ومساعداً للشخص الذي انقلب على والده وأهانه ونزع عنه حكمه الشرعي، حيث كان رئيس وزراء منتخباً ومحترماً، رحمه الله.
الآن، وفي ظل هذه الحرب، لم نرَ الرجل يتقدم الصفوف ويحارب، وظل -كدأبه- في الخلف يراقب مجريات الأحداث حتى إذا مالت نحو هذا أو ذاك، مال إليه وتودد له.
لم يحارب عبد الرحمن ولن يفعل، رغم أن أخواته دبجن فيه قصائد وأشعاراً تحتفي بجسارته وشجاعته وفروسيته التي لم نرها إلا في مضمار ميدان سباق الخيل، خاسراً لا منتصراً، إنه فارس من صنع خيال أخواته، خصوصاً أخته (رباح) شاعرة بلاط (الأمير)، ولكن لا بلاط ولا أمير في الواقع، وكنا نتوقع أن تتوج أشعارها التي كتبتها عن فروسية شقيقها التي لم يرَها أحد سواها، مثلما نظمت الخنساء (تماضر بنت عمرو) في شقيقها الفارس صخر بن عمرو الذي ظل طوال عمره على صهوة جواده ممسكاً سيفه بيده فمات فارساً كما تمنته، ولكن شقيقها “الخيخة” لا هو فارس حتى يغشى الوغى فيموت مثل الرجال، ولا هي شاعرة تنظم شعر الفروسية مثل الخنساء، وهي على الأرجح تبعثر كلمات تقتل بها الملل الذي يصيبها من ثقل دم بعلها القميء.
إن ظهور عبد الرحمن الصادق بين جنديين من ذاكرة الهزيمة، في هذا الوقت بالتحديد، إنما لأنه يريد موطئ قدم في حكومة بورتكيزان، يريد أن (يلحق) مولد البرهان، لأن الأخير قالها بالحرف الواحد “لا منصب إلا لمن يقاتل على الأرض”، وعبد الرحمن لا يقاتل لا في الأرض ولا في السماء، وعليه إذاً أن يقدم نفسه مثل “شيبة ضرار” كقائد مليشيا جديد، متكئاً على إرث المهدية، فيحصد بضعة ملايين من دولارات البرهان أو أوزاناً من الذهب المسروق في أسوأ الأحوال.
هذا كل ما في الأمر.
إنه عبد الرحمن فارس بلا جواد ولا بندقية ولا معركة ولا قتال… فارس من إرث جده وهزائمه النفسية والشخصية، فغنوا له ما شئتم، لكنه سيظل عبد الرحمن المتمهدي الفاسد لا الفارس ، الرعديد.
إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 18 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 19 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 20 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 21 22إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 23 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 24 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 25 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 26 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 10