بقلم: عبدالرحمن الكلس
رغم مواقفنا السياسية والفكرية التي تتناقض كلياً مع مواقف مُفتي الحرب والدم والفساد؛ الكوز السروري المتطرف عبد الحي يوسف؛ إلا أن عقيدتنا في قول كلمة الحق لا تستثني أحداً، حتى لو كان نقيضنا مثل مفتي القتل والفساد. فقد كان الرجل عندما واجه عبد الفتاح البرهان باللسان، صادقاً في بعض ما قاله؛ إذ لم يكن كل ما جاء به افتراءً أو كذباً، بل أشار إلى حقائق معلومة ووقائع ملموسة، منها قوله إن “الجيش جيش الكيزان”، وأنهم – أي الكيزان – موجودون في مكتب البرهان نفسه.
هذه الحقائق لا تنفصل عن بعضها البعض؛ فوصول هؤلاء الإرهابيين إلى مكتب الرجل الأول في حكومة الأمر الواقع الكيزانية لم يكن ليحدث لولا نفوذهم داخل قيادة الجيش نفسه، بل إنهم يسيطرون عليها تماماً، ويحيطون بالبرهان إحاطة السوار بالمعصم، ويكتمون أنفاسه.
في هذا السياق، لدي الكثير من الدلائل والقرائن والمعلومات الموثوقة والموثقة، لكن المجال لا يتسع لذكرها جميعاً. ومع ذلك، فإن ذكر بعض الأمثلة لا يضر، وأبرزها مقطع الفيديو الأخير الذي انتشر أمس، حيث ظهر فيه قائد سلاح المدرعات اللواء نصر الدين عبد الفتاح، وهو كوز عضود وإخوانجي “منضود”. ظهر اللواء في الفيديو ينشد مع ثلة من إرهابيي مليشيا “البراء بن مالك” داخل مقر سلاح المدرعات قصيدة إخوانية جهادية تدعو إلى فرض دولة متطرفة في البلاد. كان يترنم بها وكأنه في حالة سكر:
اللواء نصر الدين يقصد بالدعوة القدسية الخالدة “دعوة الإخوان”، التي يسعى لتحقيقها سراً وعلانية. وهذا النهج ينطبق على معظم قادة الأفرع العسكرية (الأسلحة)، فجميعهم يؤمنون بما أعلنه نصر الدين، وإن كتموا إيمانهم به؛ وذلك من باب “الإسرار والإعلان”.
انظر إلى الجيش، وستجد “أكوازاً” تلمع في كل مكان: على رأس سلاح الطيران، والمدرعات، والمدفعية، والإشارة، والاستخبارات، وحتى في قيادة الجيش نفسه. من أمثلة هؤلاء إبراهيم جابر، وعبد المحمود، وأحمدان، ومحمد أحمد الخضر، وحسن البلال، إضافة إلى العضو الجديد في نادي “العسكر الإخونجية” ياسر العطا. أما البرهان، فهو انتهازي كبير؛ كان محافظاً لمحلية نيرتتي في جبل مرة ورئيساً لحزب المؤتمر الوطني فيها، كما صرّح القيادي في الحركة الإسلامية أمين حسن عمر سابقاً. وما كان ليصل إلى منصب المفتش العام للقوات المسلحة في عهد البشير لولا رائحة الجهوية التي تمثل مشروع الكيزان الانفصالي في السودان.
إذاً، فإن السيطرة الكيزانية التامة على قيادة الجيش، التي تم تنفيذها على مدى ثلاثين عاماً وأكثر، تجعل الحديث عن قومية الجيش أمراً يستوجب إعادة النظر. هذا الواقع يرفع من أهمية المطالبة بضرورة إصلاح الجيش وتحييده عن الهيمنة الإخوانية، وإنقاذه من سيطرة الحزب الواحد، وإعادته إلى الصوابية العسكرية القائمة على رفض التدخل السياسي، ليصبح جيشاً وطنياً مهنياً لا حزبياً.
بدون هذا الإصلاح، لن تتمكن البلاد من صياغة مؤسسة عسكرية حديثة وظيفتها حماية البلاد من العدوان الخارجي، والدفاع عن الدستور، والامتثال الكامل لإرادة الحكومة المدنية.
أما الجيش الحالي، الموالي لجماعة الإخوان المسلمين، والذي يخضع قادته لاستجواباتها – كما حدث مع القيادية في الحركة الإسلامية سناء حمد بحسب روايتها الشخصية، وكما أعلن عبد الحي يوسف صراحةً، وكما يراه الشعب السوداني واقعاً ماثلاً – فإنه لا يعدو أن يكون مكتباً من مكاتب الحركة الإسلامية الإخوانية وحزبها المخلوع “المؤتمر الوطني”.
بالتالي، فإن الجيش في وضعه الحالي ليس جيشاً قومياً أو وطنياً، بل هو مليشيا حزبية مسلحة. لذا، فإن دعوة إصلاحه وإعادة هيكلته ليست مجرد مطلب سياسي، بل ضرورة حتمية أشبه بالقدر. ولابد من تأسيس جيش جديد بعقيدة وطنية خالصة، وإلا فإن الدولة ستنهار تماماً وتتبعثر. فلا يمكن لأي شعب أن يقبل بدولة تحكمها مليشيا حزبية مسلحة تدّعي أنها قواته المسلحة. والشعب السوداني لن يكون استثناءً في هذا الشأن.
إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 18 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 19 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 20 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 21 22إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 23 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 24 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 25 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 26 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 10