سارا مالك السعيد
تصريحات الحاج آدم يوسف، النائب السابق لعمر البشير، بشأن دعم حزبه للجيش السوداني تطرح أسئلة جوهرية حول طبيعة العلاقة بين المؤسسة العسكرية وحزب المؤتمر الوطني المنحل. فبينما يؤكد دعمه للجيش ماليًا وبشريًا، ينفي أي محاولة لاكتساب نفوذ داخله. هذا التناقض ليس مجرد زلة لسان، بل يكشف عن واقع معقد للمشهد السياسي السوداني، حيث تحاول القوى المرتبطة بالنظام السابق إعادة تموضعها وسط الفوضى الحالية.
🔴دعم الجيش دون البحث عن نفوذ؟ تناقض يصعب تصديقه
من الصعب تصديق أن حزبًا كان يحكم السودان لعقود، ويملك شبكة علاقات واسعة داخل مؤسسات الدولة، يقدم دعمًا ماليًا وبشريًا للجيش “لوجه الله”، كما قال الحاج آدم. فالتاريخ السياسي يوضح أن مثل هذا الدعم غالبًا ما يكون مرتبطًا بمصالح معينة، سواء للحفاظ على النفوذ داخل الجيش أو لضمان دور مستقبلي في السلطة.
في دول شهدت اضطرابات سياسية مماثلة، مثل الجزائر خلال العشرية السوداء، لعبت الأحزاب الإسلامية دورًا مزدوجًا في دعم الجيوش بينما كانت تسعى في الخفاء لتعزيز وجودها في مؤسسات الدولة. والسودان ليس استثناءً. حتى لو لم يكن لحزب المؤتمر الوطني نفوذ رسمي داخل الجيش اليوم، فإن مجرد استمرار قياداته في التأثير على مسار الأحداث يؤكد أن الحزب لا يزال جزءًا من المعادلة السياسية.
🔴 العلاقة بالبرهان: حقيقة أم مناورة؟
ينفي الحاج آدم أي علاقة لحزبه بقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، لكنه في الوقت نفسه يرفض أي اتهامات بوجود تواصل غير رسمي بين الحزب وقيادات عسكرية. هذه ليست المرة الأولى التي يُثار فيها الجدل حول مدى تغلغل الإسلاميين داخل المؤسسة العسكرية، فبعد سقوط البشير، لم تحدث عملية تفكيك حقيقية لهذا النفوذ، بل ظل كثير من الضباط الذين خدموا في عهد النظام السابق في مواقعهم، مما يجعل من الصعب فصل الحزب عن المشهد العسكري.
التجارب السابقة في دول مثل العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، أو مصر بعد ثورة 2011، تؤكد أن الأحزاب التي ارتبطت بالأنظمة العسكرية لا تختفي ببساطة، بل تعيد تشكيل وجودها بطرق غير مباشرة، سواء عبر شخصيات داخل مؤسسات الدولة أو من خلال التحالفات مع قوى عسكرية. لذا، فإن نفي أي علاقة بين المؤتمر الوطني والجيش يبدو أقرب إلى مناورة سياسية منه إلى حقيقة واقعة.
🔴 أين القضاء؟ ولماذا يحتجز الجيش البشير؟
تصريحات الحاج آدم حول احتجاز البشير وقيادات المؤتمر الوطني تحت حراسة القوات المسلحة، بدلًا من أن يكونوا في عهدة القضاء المدني، تطرح تساؤلات حول مدى استقلالية المؤسسات القانونية في السودان. لماذا لا يُقدم هؤلاء لمحاكمات عادلة وشفافة؟ ولماذا تستمر المؤسسة العسكرية في لعب دور الوصي على مصيرهم؟
في العديد من الدول التي شهدت سقوط أنظمة سلطوية، مثل تشيلي بعد بينوشيه أو إندونيسيا بعد سوهارتو، كان احتفاظ الجيش بنفوذ على مصير القادة السابقين مؤشرًا على استمرار الدولة العميقة. السودان، على ما يبدو، يسير في المسار ذاته، حيث لا تزال المؤسسة العسكرية تسيطر على مفاصل السلطة، حتى في قضايا يفترض أن تكون قضائية بحتة.
🔴 المؤتمر الوطني: حزب محظور لكن فاعل
عندما يؤكد الحاج آدم أن المؤتمر الوطني لا يزال يعمل “بكامل مؤسساته”، رغم قرار حله في 2019، فهو عمليًا يعترف بأن الحزب لم يخرج من المشهد، بل غير تكتيكاته فقط. هذا ليس مفاجئًا، فمن الصعب تفكيك حزب حكم البلاد 30 عامًا بجرة قلم.
التاريخ مليء بأمثلة على أحزاب تم حلها رسميًا لكنها استمرت في العمل بطرق غير مباشرة. في مصر، عاد رموز الحزب الوطني الديمقراطي إلى السياسة بعد 2011 تحت مسميات جديدة. وفي العراق، رغم حظر حزب البعث، ظل تأثيره قائمًا من خلال شبكات داخل مؤسسات الدولة. يبدو أن المؤتمر الوطني يسير في الاتجاه ذاته، مستغلًا الانقسامات السياسية والحرب الدائرة للعودة إلى المشهد بقوة.
🔴 دمج الدعم السريع: طرح غير واقعي
يرى الحاج آدم أن الحرب يمكن أن تتوقف إذا سلمت قوات الدعم السريع سلاحها ودخلت في مفاوضات مع الجيش. هذا الطرح قد يبدو عقلانيًا على السطح، لكنه يتجاهل حقيقة أن النزاع الحالي لم يعد مجرد صراع على السلطة، بل تحول إلى حرب أهلية ذات أبعاد سياسية وقبلية.
التجارب العالمية أثبتت أن عمليات نزع السلاح وإعادة الدمج تحتاج إلى سنوات من العمل والتفاوض، كما حدث مع حركة “فارك” في كولومبيا. أما في السودان، حيث انهارت الثقة تمامًا بين الجيش والدعم السريع، فإن مجرد الحديث عن إمكانية تسليم السلاح بهذه البساطة يبدو أقرب إلى التمنيات منه إلى الحلول الواقعية.
🔴 السودان في مفترق طرق
تصريحات الحاج آدم يوسف ليست مجرد محاولة لتبرير موقف حزبه، بل تعكس صورة أوسع لمشهد سياسي مرتبك. حزب المؤتمر الوطني، رغم حله رسميًا، لا يزال لاعبًا قويًا، والجيش، رغم ادعائه الحياد السياسي، لا يزال يمسك بخيوط اللعبة. في ظل هذه المعادلة، يصبح الحديث عن انتقال ديمقراطي حقيقي في السودان أمرًا صعبًا.
السودان اليوم أمام خيارين: إما أن يتمكن من تفكيك نفوذ الدولة العميقة وإعادة بناء مؤسساته على أسس ديمقراطية، أو أن تستمر الدوامة ذاتها، حيث تتغير الوجوه لكن تظل السلطة بيد نفس القوى القديمة، وإن بطرق مختلفة
إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 18 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 19 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 20 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 21 22إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 23 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 24 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 25 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 26 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 10