أثار القرار الذي اصدرته وزارة المالية الاتحادية بتاريخ الثالث عشر من مارس الجاري، بتوقيع وكيل التخطيط الاقتصادي، والقاضي بإلغاء مشاريع الطرق التي ينفذها “صندوق إعمار الشرق” المنشأ بموجب اتفاقية أسمرا لسلام الشرق، جدلاً واسعاً في أوساط المجتمع الشرقاوي الذي ظل يتجرع مرارة التهميش عاماً بعد عام. إذ أن وزارة “جبريل ابراهيم” المالية، والتي قامت في بورتسودان مقام الإله، أبت وتأبى إلا أن تزداد أوضاع السودانيين في شرق السودان ضغثاً على إبالة.
وللعلم بالشيء، فقد أوقفت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في وقت سابق تمويل طريق “كسلا – مامان”، المنتهي بنسبة 65٪، ومنعت قروض المشاريع الزراعية، عن القاش وطوكر وحلفا، ورفضت الوزارة استكمال متبقي الـ 3٪ من مشروع كهرباء الشرق، باشراف صندوق الاعمار، والمنجز بنسبة97٪.
وكان من المقرر إكمال العمل في طريق “طوكر – قرورة”، وطريق “القضارف – سمسم – أم الخير”، وهي طرق منفذة بنسبة إنجاز 63٪ بحسب ما أكد القيادي بالمجلس الأعلى لنظارات البجا أبو فاطمة أحمد أونور في مقال له غاضب يستنكر فيه القرار، ويؤكد أنه بمثابة إلغاء لاتفاقية أسمرا التي أقرتها اتفاقية جوبا للسلام، فيما يتعلق بشرق السودان.
ومن نافلة القول الحديث عن أن الطرق المذكورة ذات جدوي اقتصادية واستراتيجية، كونها تربط مناطق الانتاج، مع الطرق القومية.
وبطبيعة الحال فقد أعاد القرار – الذي لا يعني سوى إفراغ اتفاقية أسمرا لشرق السودان من محتواها – للإذهان، قراراً كان قد أصدره الراحل جعفر نميري في العام 1983، بإلغاء اتفاية أديس أبابا، وإعادة تقسيم “جنوب السودان” حينها إلى ثلاثة أقاليم، بدلاً عن أن يظل إقليماً واحداً كما نصت عليه الاتفاقية الموقعة في العام 1972، والتي حقنت الدم، وأوقفت صوت الرصاص لإحدى عشر عاماً، نعم فيها السودانيون شمالاً وجنوباً بالسلام، قبل أن تندلع حرباً أطول جراء هذا القرار، لم تتوقف إلا في العام 2005، أي بعد اثنين وعشرين عاماً من لحظة نقض العهود والمواثيق هذه، فقد فيها آلاف السودانيين أرواحهم، وتعرض الملايين للنزوح واللجوء.
ولعل جبريل ابراهيم الذي يتعامل مع المال العام بنفسية “النشال”، يمضي بشرق السودان لحرب ضروس، هي حرب الجميع ضد الجميع، جراء خطيئة الجشع التي حذر منها السيد المسيح، ووعد الموروث الإنساني صاحبها بسوء الخاتمة والمآل.
فعلى الرغم من حقيقة أنه لا يحق لوزارة المالية إلغاء اتفاقيات مثلأ اتفاق أسمرا أو إبقائها، إلا أن “جبريل” الذي وصل للسلطة على ظهر دعاوي التهميش، ظل يمارس التعدي على الاتفاقيات التي تحفظ سلام المجتمعات الهش في جرأة عمياء، لا ترى سوى المزيد من الدولارات يدخلها في خزانته الشخصية، وليذهب من بعد ذلك الملايين من سكان شرق السودان إلى الجحيم.
لم يترك “جبريل ابراهيم” خياراً لأهل شرق السودان سوى مقاومته ومقاومة قراراته بكافة السبل والأشكال الممكنة،
كونه نظر إلى اتفاقية أسمرا لشرق السودان بعين اللص التي لا ترى في مال الغير سوى غنيمة يسهل الحصول عليها، إن هو استخدم السلطات الموكلة إليه بذكاء كاف، دون مراعاة للوضع الأمني، أو ما قد تسفر عنه قراراته هذه من كوارث.
لكن وعلى الرغم من كل شيء، فقد كانت حادثة فشل جبريل ابراهيم في سرقة “الكرتة” من هيئة الموانئ السودانية، ورده عن ذلك رداً “غير جميل” من قائد الجيش “عبد الفتاح البرهان”، تؤشر إلى أن يد جبريل نفسه مغلولة، حينما يمس اللحم الحي، ويبدأ في نهش ما وضعه غيره على المائدة من مقدرات هذا البلد المنكوب. إذ ظهر جبريل بعدها في مؤتمر صحفي هزيل يتصنع الابتسام كعادته استلاباً تجاه شيخه الراحل، وقد ضربت عليه الذلة والمسكنة يبرر ما أل إليه من خيبة، وما تسبب فيه لنفسه من إحراج، غلب حتى قدرته على اصطناع الثقة والتأكد الكذوب، وارتداء قناع الإخوانيون الخاوي من كل مكرمة وفضيلة.
القادم في شرق السودان مخيف، كون المنطقة تحولت جراء الاحتقان وتراكم المرارات لبرميل بارود قابل للانفجار تحت أي لحظة، إذ لا يعوز أهل الشرق السلاح، ولا موجبات استخدامه التي تتزايد يوماً بعد يوم، ويد الحركة الإسلامية تواصل الضغط على رقبة إنسان الشرق النحيفة، لتمول حربها من دمائه وأمواله، وتولي عليه من لا يرحم صغيراً ولا يوقر كبيراً، ولا يمتلك وازعاً من إنسانية أو ضمير. ألا لعن الله إخوان الشياطين.