? تحليل سياسي : ابن عمر ابراهيم الطاهر
استمعت بإنصات واهتمام شديدين الى خطاب النائب الاول لرئيس مجلس السيادة ،الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) ،أمام الحشد الجماهيري التاريخي بساحة الحرية بالخرطوم امس (الاحد) مخاطباً عرس وصول قيادات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام مع الحكومة ،ايذاناً ببداية انفاذ الاتفاق وانزاله الى ارض الواقع ومن ثم الانطلاق نحو مرحلة جديدة تودع فيها البلاد الحرب وتستقبل بشريات السلام .
مالفت انتباهي أن (حميدتي) في خطابه هذا قد تفوق بشكل واضح على نفسه مقارنة بخطابه التاريخي في نهاية ديسمبر من العام 2018 صبيحة استقبال قواته القادمة من مناطق وادي هور بولاية شمال دارفور بمنطقة طيبة (الحسناب) جنوبي الخرطوم ، قبل سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير ، ذلك الخطاب الذي اصطلح البعض على تسميته بخطاب (ماقبل ثورة ديسمبر) لما فيه من إشارات قوية وواضحة بتحريض الشارع على الثورة ، واعلان إنحيازه لنبض الجماهير وتطلعاتها ،وهو وجه الشبه بينه وبين خطاب ساحة الحرية يوم امس في حضرة قيادات الدولة السودانية وجماهير الشعب السوداني، وفيه يحاول ( دقلو) كتابة روشتة العلاج للامراض المزمنة التي تقعد من نهضة وتطور السودان.
استوقفتني في خطاب (حميدتي) بساحة النصر اربعة نقاط ارى أن التعامل معها بوعي وتجرد كفيل باسكات صوت البندقية الى الابد ومن ثم انطلاقة مشاريع التنمية والاستقرار في كل ربوع بلادنا العزيزة تحقيقا للنهضة الشاملة.
ذكّر (حميدتي) في بداية حديثه بالحرب ومراراتها ،واشار الى انه لولا توافر الارادة لما تحقق السلام ،مدافعاً عن الاتفاق في مواجهة منتقديه ،داعياً للوحدة واحترام التنوع .
وفي تقديري أن النقاط الاربع التي حواها الخطاب اجابت بسلاسة ووضوح على تساؤولات الشارع ،وفصّلت في تحديات المرحلة ومطلوباتها ، حيث اشار الى ويلات الحرب ومراراتها وضرورة إغلاق هذه الصفحة قائلاً ( لقد أدركنا أن هذه الدائرة الشريرة يجب أن تتوقف وإلى الأبد لأن المنتصر في هذه الحرب خسران.).
وأرى أنه الدرس الاول الذي يجب أن يعيه الجميع حتى نبدأ البداية الصحيحة وهو انه لا منتصر في هذه الحرب .
تناول الخطاب، لحظات المخاض العسير ماقبل ولادة اتفاق السلام ، مؤكداً أن الاتفاق ما كان ليتحقق ، الا لتوفر الارادة الصادقة من كل الاطراف (السلام الذي تحقق بإرادة صادقة ونوايا خالصة يحق لنا أن نفرح به)، مراهناً على الاردة والعزيمة لتجاوز (التحديات والعثرات كافة وصولاً إلى سلام شامل ومستدام).
نعم يحق لنا أن نفخر بما تم ،فلولا توافر الارداة لما كان (جبريل ، مناوي، هجو،عقار) في الخرطوم .
تحدث النائب الاول لرئيس مجلس السيادة، عن مرحلة مابعد السلام ، وافرد مساحة واسعة في حديثه عن الوحدة والسلام بوصفهما الشق الاهم في المرحلة المقبلة ، وضرورة احترام تنوعنا وأن ( نختلف بوعي واحترام.. نتوافق على وحدة هذا الوطن أرضاً وشعبا) وان (علينا جميعاً أن نعمل معاً لبناء سودان موحد وقوي ومعافى من أمراض الكراهية والجهوية.)
عبارات كشفت بوضوح عن وعي عميق للرجل بالازمة السودانية ، وكيفية تجاوزها ،فدون وحدة يصعب يصعب انطلاقة تحقيق التنمية ،ودون تنمية يصعب تحقيق الاستقرار ، ودون استقرار تظل احتمالات العودة للمربع الاول مفتوحة على مصرعيها .
وانه لذلك لابد (ان نحول ثمن الرصاصة إلى طباشيرة نُعلّم بها أجيالنا كيفية الحفاظ على وحدة بلاده ، فالسودان في فجره الجديد يحتاج لوحدة أبنائه أكثر من أي وقت مضى، وأن تعالوا نوحّد كلمتنا لنبدأ من جديد لأجل استقرار وأمن هذه البلاد الطيبة).
ويبعث (حميدتي) برسالة واضحة الى منتقدي اتفاق السلام بانه لا يرى ( أي مبرر موضوعي أو عمل سياسي محترم يُمجد الحرب ويُقلل من فرص السلام الذي تحقق بفضل هذا الاتفاق الذي بين أيدينا والذي نعمل على إنزاله على أرض الواقع بنداً بندا).
ويتابع (ليس من الحكمة أن ينظر الناس إلى اتفاق السلام بعين واحدة، يجب أن ننظر إلى ما حققناه بعين الرضا وصولاً إلى سلام دائم وشامل مع كل الأطراف لا يقصي أحداً ولا ينكر حق أحد).
وكأنه يريد أن يقول ،علينا أن لا ننظر للجزء الفارغ من الكوب ،فما تحقق إن غاب عنه عبدالواحد محمد نور أو عبدالعزيز الحلو ، يمثل خطوة هامة في سبيل تحقيق السلام ،وربما تحاشى القول بان من غابوا عن (عرس السودان ) سيتجاوزهم الزمن وقريباً سيكونوا قصصاً واحاجي تروى اذا لم يلحقوا بركب السلام، قبل أن يختم حديثه مراهناً مرة اخرى على ضرورة العمل كجسد واحد من أجل بناء السودان ( الذي تحلم به أجيالنا) ،وفي العبارة انه دون ذلك يظل الحلم ببناء السودان مكانه الأسرّة والغرف الدافئة.