?️ خالد فضل
حينما رفض المناضل عبدالواحد محمد نور التوقيع على اتفاق (ابوجا) مع الحكومة منتصف العام 2006 ،ووافق رفيق دربه في حركة جيش تحرير السودان مني اركو مناوي على التوقيع ودخل اثر ذلك القصر الجمهوري كبيراً لمساعدي رئيس الجمهورية ، اكبرت في (نور) صموده وتمسكه بمبادئه وظننت ــ حينها ــ اننا على موعد مع مناظل وثائر عظيم لا يقل مكانة عن الارجنتيني – إرنستو “تشي” جيفارا الذي كانت اخر عباراته قبل أن يعدم (أطلق النّار أيها الجبان، إنّك لن تقتل سوى رجلًا) ، أو التشيلي فيكتور خارا ، الذي تم اعدامه ووجد في جثته بعدها اثار 44 طلقة رصاص ،أو الفلسطيني غسان كنفاني الذي مات مدافعاً عن قضيته ، غض النظر عن الزمان والمكان وتفاصيل القضية ، فالمبادئ لا تتجزأ ولا تتغير..
اعتقدت من طريقة كلام (نور) واسلوبه في (المحاججة) و الجدال — وهو المحامي المتخرج في جامعة الخرطوم كلية القانون — ، أنه لا محالة سيقضي نحبه في ساحات الوغى إما (بنيران صديقة ) أو برصاصات حكومية تستقر في صدره مباشرة وهو يدافع عن قناعاته وما يؤمن به من افكار شيوعية.
لكن (نور) الذي جعل من نفسه (المخلص) و (المنقذ) لشعب دارفور من سيطرة المركز ، خيب توقعاتي وتوقعات الكثيرين ممن ظنوا فيه خيراً لبلاده واهله وعشيرته ، وهو يغادر أرض المعركة دون أن يحسمها ودون ان يلقى الله وهو قتيل ..!!
قلت ربما كان خيار المغادرة الى الخارج أملته ظروف (الميدان) ورغبة قيادات حركته التى اختار فصيلها المؤثر بقيادة مني اركو مناوي وضع السلاح والاحتكام لصوت العقل ،وأن الرجل الذي تزوج (القضية) لا محالة عائد ليقود جيش مناصريه واتباعه ومريديه الى المعركة الحاسمة ، لكن مضى من الزمن اكثر من اربعة عشر عاماً ، وبدلاً من ذلك تحول (نور) من كثرة ظهوره الاعلامي على الفضائيات مبرراً ومهاجماً متوعداً خصومه الى (ظاهرة صوتية ) وانفضت عنه قياداته بعد ان عرفوا ( اللعبة)
سنوات كشفت بوضوح حقيقة (مستر نو ) وماذا يريد ؟ وكيف يفكر ؟
كل المواقف و الاجابات كانت تشير الى انه ليس سوى انتهازي استغل طيبة وبساطة اهلنا في دارفور ليعتلي كرسي من فوق جثثهم وجماجمهم ، وأن شعارات النضال التي ظل يرفعها ، ليست سوى (طلس) يطلس به من يجد من البسطاء .
فهاهو (نور) يتمرغ في نعيم ماتجود به المنظمات الاجنبية المعادية للسودان وشعبه ،متنقلاً في رحلات سياحة بين دولها ،مرتدياً افخم الثياب واغلاها سعراً ، ولاعزاء لهؤلاء المخدوعين القاطنين في معسكرات النزوح ممن باع لهم الوهم يغالبون قسوة الظروف من فقر وجهل ومرض .
قبل أيام تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بسخرية لاذعة صورة (سلفي) لـ (مستر نو ) يتوسط نجليه اللذين بدت عليهما الدعة ورغد العيش ومن خلفهما البحر ..!!
احزنتني الصورة كثيراً ، فقد كشفت لي بوضوح أن (المناضل) (الثائر) لم يتجرد فقط من ثياب النضال والثورية ، وانما تجرد من كل القيم الانسانية ولا يخجل حتى من ان يداري سوءة خيانته لبني جلدته واستغلاله لهم ، و يبني مستقبل انجاله بـ (طوب) الاستقرار والامن و (مونة) الرفاهية وصور (السيلفي) ، ويهدم في مستقبل اطفال دارفور بمعاول الانانية و الانتهازية والاجندة الخارجية .
كنت انتظر بدلاً من التقاط الصور الـ (السيلفي) معهم ومن خلفهم البحر ،أن يترك (مستر نو ) ، الذي اثر الهروب باهله من ارض المعركة ، اطفاله بالداخل يتقاسمون مع اطفال معسكرات النازحين ضريبة النضال الكذوب من فقر وجهل ومرض، وثمن تعنته الارعن تجاه كل مبادرات وخطوات السلام ، لكن بدأ لي أنه لا يآبه كثيراً لدارفور ولا اهلها ولا مستقبلهم ، في سبيل ارضاء أولياء نعمته وتنفيذ اجندة الخارج .
كنت انتظر أن اطالع يوماً ما صورة (سيلفي) لهذا الانتهازي مع اطفال معسكرات النازحين في (ابشوك) ، أو(كلمة)، أو (عطاش) أو ( خمسة دقايق) أو (الحميدية) أو اي من معسكرات النزوح يعزيهم و يشاطرهم الهم والمعاناة ، لكن خاب ظني وأغفلت أن من يضرب بمعاناة هؤلاء عرض الحائط ، ويتفرغ لالتقاط الصور (السيلفي) على شواطئ البحار ، قد باع كل شئ ولم يتبقى له مثقال ذرة من حياء..
اخر سطر ..
قال الشاعر:
اذا لم تخش عاقبة الليالي ..ولم تستحي فاصنع ماتشاء
فلا والله مافي العيش خير ..ولا الدنيا اذا ذهب الحياء
بعيش المرء ما استحيا بخير .. ويبقى العود ما بقي اللحاء