بينما يترقب الشارع السوداني اعلان الحكومة الجديدة لحلحلة قضاياه الملحة المتعلقة بقوت يومه، ينشغل تحالف قوي اعلان الحرية والتغيير والجبهة الثورية، باجتماعات كثيفة من أجل الوصول الى صيغة توافقية حول التشكيل الجديد، ولكن المحاصصات التي تطل برأسها بقوة هذه المرة، تجعل من اعلان الحكومة في أقرب وقت ممكن صعيب المنال، فالخلافات حول الوزارات التي ستتولاها الثورية مازالت مستمرة، علاوة على تشاكس أحزاب الحرية والتغيير نفسها، الى جانب الجبهة الثورية التي تتسابق مكوناتها للفوز بالمناصب.
الثابت أن اتباع نهج المحاصصات في التشكيل الجديد ان كان في مجلس الوزراء او المجلس السيادي يعتبر ردة عن تعهدات الحرية والتغيير بأن الفترة الانتقالية لن تكون للسياسيين انما للكفاءات، وان كان قد خرقت تعهداتها هذه في الحكومة الاولى بمشاركة شخصيات خلفياتهم حزبية، ويبدو ان اتجاه الحرية والتغيير للدفع بقيادات الصف الاول في التحالف للمشاركة في التشكيل الجديد، يعود الى ضعف اداء الحكومة السابقة وفشلها في حل الضائقة الاقتصادية التي جاءت بها، علاوة على عدم تحقيق الاهداف التي قامت من اجلها الثورة حتى الآن، غير ان هنالك سبب آخر ربما قاد الحرية والتغيير الى الدفع بالسياسيين، وهو ترشيح قيادات بارزة بالجبهة الثورية للمشاركة في الحكومة الجديدة.
لكن ثمة سؤال يطرح نفسه بقوة، هل الوجوه الجديدة قادرة على تحقيق فيما فشل فيه من سبقوهم؟، وهنا يقول المحلل السياسي عثمان خالد، ان فرص نجاح السياسيين في الوقت الحالي قليلة، ويذهب الى ان التشاكسات ستكون السمة البارزة للفترة المقبلة بين اطراف الفترة الانتقالية الثلاث ـ التغيير ، الثورية ، العسكر ـ ويضيف ان البلاد في حاجة الى وطنيين في المقام الاول همهم الشعب ومعاشه، وقال ان السياسيين سيعملون على تمكين الاجسام السياسية التي جاءت بهم الى سدة الحكم، بيد انها فقيرة وفي حاجة الى دعم ، خصوصاً وان مكونات الحرية والتغيير جميعها بدأت تجهز للانتخابات مبكراً، ويمضي عثمان الى ان ممثلي الجبهة الثورية بهياكل السلطة سيركزوا ستكون جهودهم منصبة نحو السلام دون التركيز على القضايا الاخرى.
وبشأن خلافات اطراف الانتقال بالسودان حول التشكيل الوزاري، كشفت مصادر عن نشوب خلاف والوصول الى طريق مسدود بين قحت والجبهة الثورية حول تسمية الوزارة السابعة، وتمسك كل طرف بضم الزراعة إلى حصته من الوزارات، وأشار إلى أن التغيير اقترحت منح الثورية وزارة الثروة الحيوانية بدلاً عن الزراعة إلا أن الثورية رفضت المقترح جملة وتفصيلاً ، وأكد المصدر أن الثورية طالبت بالاحتكام لمجلس شركاء الفترة الإنتقالية لحسم النزاع حول وزارة الزراعة، مشيرا إلى توافق الطرفين على منح الجبهة الثورية وزارات المعادن، الحكم الاتحادي التربية والتعليم البنية التحتية، التنمية العمرانية المالية.
عدد من الاحزاب بالحرية والتغيير تعتقد ان وزنها السياسي وثقلها الجماهيري يجعلها تنال اكبر حصة في الوزارات ، ومن بين تلك الاحزاب، الأمة القومي والذي طالب بمقعد في المجلس السيادي ورئاسة المجلس التشريعي، ومنحه 5 وزارات في الحكومة القادمة بما فيها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، في سياق آخر قالت المصادر إن قوى الحرية والتغيير اخطرت حزب الأمة بمنحه ثلاث حقائب وزارية من بينها الخارجية واشارت الى أن الحزب وعد باخضاع الأمر لمؤسساته بعد مطالبته بخمس حقائب وزراية .
مايزال رئيس حركة العدل والمساواة د. جبريل ابراهيم محل جدل، ليس بسبب تصريحاته المتلاحقة عن المصالحة مع الاسلاميين، بل عن المنصب الذي سيتقلده، فبينما تذهب التوقعات الى توجهه نحو القصر عضوا بمجلس السيادة، يقول آخرون ان الرجل الاقتصادي سيتولى حقيبة المالية، إلا أن مصادر مطلعة كشفت عن رفض مؤسسات حركة العدل والمساوة شغل رئيسها د. جبريل إبراهيم لأي منصب تنفيذي بالحكومة ، وقالت المصادر إن جبريل عُرض عليه تولي منصب نائب رئيس الوزراء ووزير المالية، لكنه احال الأمر لمؤسسات الحركة التي رفضت الأمر لعدم توفر شروط الصلاحيات والاختصاصات .
في وقت تعلو الأصوات المتسائلة عن أسباب تأخر تشكيل الحكومة الجديدة، وطالب أمين الاعلام الناطق الرسمي بإسم حركة العدل والمساواة معتصم أحمد صالح بضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة واستكمال هياكل الحكم، ليتبعه رئيس حركة العدل والمساواة د. جبريل إبراهيم بتصريح آخر في حوار مع (الجزيرة نت) الذي أكد فيه أن الصراع داخل قوى اعلان الحرية والتغيير يمثل مشكلة كبيرة أمام اتخاذ قرار تشكيل الحكومة والتوافق على مكوناتها. وقال جبريل: (خرجت أطراف أساسية من المجلس المركزي مثل الأمة القومي والحزب الشيوعي والبعث السوداني وتجمع المهنيين وهذا تسبب في إشكالات داخل الحرية والتغيير وأثر على إتخاذ القرار داخلها). ولم ينف جبريل وجود تباين وخلافات بين الجبهة الثورية والحرية والتغيير، مؤكدا أن هذا الأمر استدعى تكوين مجلس الشركاء لحلحلة مثل هذه الإشكالات.
ومن جانبه قال المحلل السياسي احمد طيفور أن أصابع الحزب الشيوعي تظهر بصورة واضحة في وضع المتاريس أمام تشكيل الحكومة الجديدة رغم خروجه عن (قحت)، وذلك لأنه يتخذ موقفا تجاه اتفاق السلام ويسعى بشتى السبل عبر أذرعه المتغلغلة داخل الحكومة الحالية لإبطاء تنفيذ مخرجاته، وأضاف أنه وضح جليا أن قادة حركات الكفاح المسلح سحبوا البساط من تحت أقدام الحزب الشيوعي وقوى الحرية والتغيير بعد تصريحاتهم بشأن الرؤية المستقبلية للمشهد السياسي واقتناع القواعد بضرورة التغيير بعد أن حاصرت الأزمات البلاد من كل الإتجاهات جراء اخفاق كثير من وزراء حكومة حمدوك في ملفات مهمة وتكرار الأزمات الذي أثر بصورة مباشرة على حياة المواطنين ومعاشهم.
وما يعزز اتجاه اطراف الانتقال لاتباع نهج المحاصصات خلال الفترة القادمة، فقد ضجت وسائط التواصل الاجتماعي والصحف والمواقع الإلكترونية طوال الأيام الماضية بتصريح للقيادي بالجبهة الثورية نائب رئيس الحركة الشعبية ياسر عرمان على حسابه “بتويتر”، قال فيه : (ما يتردد عن ترشيحي لمنصب وزاري عاري من الصحة، أخذ بعض القائمين على الأمر رأيي حول وزارتي الخارجية والإعلام وإعتذرت كما إعتذرت فى 2005 عن 5 وزارات، مساهمتي رأيتها فى نشر رؤية السودان الجديد والعمل مع كافة قوى الثورة و التغيير من أجل نظام جديد وشراكة منتجة والمجد للسودان).. وكان مصدر مطلع قال لصحيفة (السوداني)، إن رئيس المؤتمر السوداني عمر الدقير اعتذر عن الترشح لأي موقع وزاري في الحكومة الجديدة.
ويرى الخبير والمحلل السياسي د. أسامة سعيد أن اعتذار بعض القيادات عن المناصب يعود للضغط الهائل الذي أنتجته سياسات حكومة حمدوك على معاش الناس مما جعل المسؤول في مواجهة مباشرة مع المواطنين، وأضاف أسامة: (يمكننا القول أن اعتذار هذه القيادات يجئ لأنهم لم يجدوا ترحيبا من قحت ومماطلة في حلحلة كثير من القضايا الملحة، هذا إلى جانب أن الوضع غير مبشر للدخول في حكومة فاشلة لا تلبي طموحاتهم المتمثلة في اختيار السودانيين للحكومة التي يريدونها بمواصفات تدفع بالبلاد للأمام).
وأضاف أسامة: (الشارع بات مقتنعا أنه لابد من تكوين قوى سياسية جديدة تخرج من رحم الشعب وتمسك بالملفات الحساسة وتطرح حلولا بدلا عن الاختباء خلف المكاتب)، وقال أسامة أن بعض قيادات الجبهة الثورية ذات التاريخ النضالي الطويل لا يريدون (المجازفة) بماضيهم بالعمل تحت مظلة حاضنة لازمها الفشل طوال العامين الماضيين. مؤكدا أن اعتذار بعض الوزراء الحاليين عن الاستمرار في مناصبهم ينبئ بأن حكومة حمدوك وصلت إلى خط النهاية