وزارة الداخلية هي وزارة مُهمّة، وهي وزارة المواطن، توفر له الأمن والأمان، وتثبت له هويته، وتُحدِّد وثائق سفره وترحاله، بل وثائق إقامته، بل تحدد عمره ونوعه وعمله ومؤهلاته، وغايتها في ذلك الإنسان السوداني أينما وجد، في ذلك يتساوى الجميع، الطفل والمرأة والرجل والفتاة والشاب والشيخ، بل العامل والعاطل لأنّ وثائق إثبات وحركة المواطن تهم الجميع، المقيم والمسافر والمغترب حتى اللاجئ، بمعنى آخر هي وزارة حقوق المواطن، وهي الوزارة التي تُحدِّد كل مطلوبات الشخص من الوثائق الثبوتية، وهي وزارة يقوم عليها رجال عظماء ونساء عظيمات وكلهم عالي التأهيل والتدريب، وكلهم خُلُق وأخلاق وأولاد ناس.
وهي لديها مهام أخرى كثيرة، ولكن تركيزنا هنا على السجل المدني بكل محتوياته وهو موضوع مقالنا هذا.
السجل المدني بمحتوياته المُختلفة، خاصّةً بطاقة إثبات الشخصية وجواز السفر هما أهم وثيقتين يحتاج إليهما المواطن في كل تعاملاته الحياتية، وهما محمولان لدى كل مواطن داخل وخارج الوطن، وأي مُعاملة لن تتم بدون أحدهما أو كلاهما، وجهّزت لهما وزارة الداخلية أماكن مُريحة تتوفر فيها كل سُبُل الراحة في مُجمّعات ممتازة تُقدّم كل الخدمات وبسرعة وكفاءة عالية جداً، ويقوم على ذلك ضباط وجنود أكفاء، بل هم أقرب إلى ملائكة الرحمة من الأطباء والممرضين وكلهم حُضُور مُميّز بلبسهم المُميّز الجميل، يقابلونك بوجوهٍ باشّة هاشّة، ويتفانون في خدمة المواطن السوداني، ويستخرجون لك وثائق في غاية الجمال والمتانة بشكل جميل وسياحي وبرسوم معقولة وفي خدمة ممتازة
جاءت الثورة واستبشر الجميع بها، وإن كل شيء سوف يكون أحسن، بل كان الجميع يتوقّع أن تستمر خدمة السجل المدني بطريقة أحسن، ولكن فُوجئ الكل بالتدهور المُريع الذي أصاب هذا المرفق الحيوي المُهم وخاصةً في وثائق السفر والبطاقة الشخصية، حيث أُصيبت في مقتل، بل تدهورت تدهوراً مُريعاً، بل توقّفت رغم ارتفاع الرسوم.
توقّفت البطاقة من فبراير ٢٠٢١م وحتى الآن، رغم أنهم رفعوا الرسوم من أقل من ألف جنيه إلى ثلاثة آلاف جنيه، وكذلك توقّف الجواز للعامة، بل صار للمحاسيب ورفع رسمه من أول أغسطس إلى عشرة آلاف جنيه، وهنالك ما يقارب الأربعين ألف جواز أو تزيد قبل أغسطس لم تُسلّم لأصحابها، وأصحابها مُعلّقون بين سلطات السجل المدني والمطابع. وقيل إنّ هذه الأوراق الثبوتية تُطبع خارج السودان. تأكّد لنا أنّ أمر الوثائق الثبوتية صار في كف عفريت، بل العاملون في الخارج هُم الأكثر تأثراً، حيث إن بعضهم فَقَدَ وظيفته لعدم قُدرته على تجديد جوازه، مما اضطر وزير الداخلية لاتخاذ إجراء استثنائي للعمل بالجواز منتهي الصلاحية.
ويستغرب المرء، معقول وصلنا مرحلة عدم القُدرة على طباعة الجواز والبطاقة الشخصية وهما أكثر الوثائق ضرورةً وأهميةً.
بل الأدهى والأمر مرتبات الشرطة، هل يُعقل أن يكون مرتب جندي الشرطة تسعة آلاف جنيه ومرتب الرقيب أول ثلاثة عشر ألفاً وخمسمائة ومرتب المساعد أربعة عشر ألف جنيه. ومطلوب من شخص بهذا المرتب المتواضع العمل على حفظ الأمن وحماية الدولة والمجتمع وهو يقدم روحه ليقوم بهذا الواجب الوطني المُهم.
السيد رئيس الوزراء
والسيد وزير المالية
والسيد وزير الداخلية
والسيد المدير العام للشرطة
ما لكم كيف تحكمون.. أفراد الشرطة وضباطها يعولون أسراً، وعليهم مسؤوليات أسرية ومجتمعية واجتماعية كيف يعيشون هكذا؟!
لأول مرة أعتقد أنا جازماً، إنهم لما هتفوا وطالبوا باستقالة أو إقالة الوزير في الساحة الخضراء، إنهم على حق!!
أيها السادة في قيادة الشرطة، وفي قيادة الدولة، تدهور الخدمات الخاصة بالشرطة والجمهور مؤشرٌ خطيرٌ يقود الى انفراط الأمن والاستقالات الجماعية والهروب من الخدمة، بل يجعل شرطة السودان بتاريخها التليد في مهب الريح.
أيها الحاضنة السياسية للحكومة، يجب أن يكون عندكم دور، وإلا سيفقدون هذا المرفق الحيوي. مدنية بدون شرطة لا وجود لها.
المدنية ليست هتافاً ولا انتخابات، المدنية نظام ومؤسسات، وأهم مؤسسة في ذلك الشرطة، اصحوا، لو غابت الشرطة، غاب النظام والأمن وانفرط عقد المجتمع وذهبت الدولة والحكومة وأكل القوي الضعيف وضاعت الحقوق.!
ولنا عودة