شريف محمد عثمان
اصدارة أفق جديد
مع انهيار جولة التفاوض في جنيف، أصبح الوضع في السودان أكثر قتامة، وتضاءلت الآمال في العودة إلى طاولة المفاوضات خلال ما تبقى من العام الجاري. هذا الإخفاق توكده عوامل أساسية، أبرزها التباعد الزمني بين جولات التفاوض، حيث انطلقت أولى الجولات في جدة في مايو الماضي، لكن الفجوات الزمنية الكبيرة بين هذه الجولات وعدم تحقيق تقدم ملموس في قضايا حماية المدنيين وإنهاء الحرب. بالإضافة إلى ذلك، انشغال دول المنطقة بالصراعات الإقليمية، وعلى رأسها الحرب في غزة التي اندلعت في أكتوبر الماضي وامتدت إلى لبنان، إلى جانب تصاعد الهجمات بين إيران وإسرائيل، والتوترات في مضيق باب المندب بين الحوثيين وإسرائيل، وسط تحركات دولية للحفاظ على هذا الممر المائي الحيوي.
في ظل هذه التطورات، تتراجع أهمية إيقاف الحرب في السودان في الأجندة الدولية، بالرغم من الكارثة الإنسانية المتفاقمة التي خلفتها. فبينما تتسع رقعة الصراع، أظهرت الأطراف المتحاربة تمسكها بمواقفها الرافضة لاستحقاقات السلام. وقد لحقت قوات الدعم السريع بموقف القوات المسلحة الرافض للسلام، حيث صرّح مستشار قائد الدعم السريع، محمد مختار، بأن الحسم العسكري أصبح خيارهم الوحيد.
الوضع الإنساني في السودان بلغ مستويات كارثية. يعاني نصف سكان السودان تقريبًا من انعدام الأمن الغذائي، فيما يشهد النظام الصحي انهيارًا شبه كامل مع تفشي الأوبئة مثل الكوليرا والملاريا وحمى الضنك. يضاف إلى ذلك موجات النزوح الجديدة التي تهدد بتوسيع دائرة الحرب لتشمل مناطق كانت تُعتبر آمنة نسبيًا.
رغم خطورة الوضع الإنساني، تصر الأطراف المتحاربة على إنكار الأزمة. صرح وزير الزراعة في حكومة بورتسودان للجزيرة نت في 3 سبتمبر الماضي بأن الحديث عن المجاعة “يهدف إلى إدخال السلاح”، نافياً التقارير الأممية التي تشير إلى تعرض ثلث سكان السودان للجوع. من جانبه، ادعى جبريل إبراهيم في أبريل الماضي وجود وفرة في الحبوب الغذائية. هذا الإنكار يعيد إلى الأذهان تجارب مشابهة في تاريخ السودان، مثل المجاعة الكبرى عام 1984، حين ظل نظام المخلوع نميري ينكرها حتى أودت بحياة مئات الآلاف. ولم يتم الاعتراف بها إلا في فبراير 1985 بعد إعلانها من قبل نقابة أساتذة جامعة الخرطوم. الأمر ذاته تكرر في مجاعة بحر الغزال عام 1997، حيث أودت بحياة أكثر من 250 ألف شخص قبل أن يعترف بها نظام البشير في أواخر 1998.
في ظل تفاقم الأزمة، تطرح القوى المدنية ضرورة إنشاء مناطق آمنة للمدنيين. هذه المناطق يجب أن تكون خالية من السلاح ومحميّة بقوات أممية، مع ضمان مسارات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية. إلا أن هذه المبادرة تواجه رفضًا من دعاة الحرب والدمار بعدد من الذرائع. أولى هذه الذرائع هي السيادة الوطنية ورفض التدخل الخارجي، وهي مقولة حق أريد بها باطل؛ فالحقيقة أن هذه الحرب، ومع شدة تدخل الدول الخارجية فيها دعمًا واستثمارًا، نزعت قرار السلم والحرب من قادتها لصالح جهات خارجية تتنازع الآن سيادة السودان وموارده. ثانيًا، يُتهم المدنيون بأنهم موالون لقوى أجنبية، على الرغم من أن السودان كان يخضع للبند السابع قبل ثورة ديسمبر، مع وجود قوات أممية لحماية المدنيين انهت حكومة الثورة البند السابع ومقابل بعثة الأمم المتحدة تحت البند السادس لدعم الانتقال بمهامها الأربعة وهو ما ينفي هذه المزاعم. ثالثًا، الادعاء بأن المناطق الآمنة تقتصر على مناطق سيطرة القوات المسلحة، وهو ما يجافي الواقع.
سكان دارفور وكردفان، على سبيل المثال، ينزحون إلى مناطق سيطرة الدعم السريع هربًا من المحاكمات الجائرة والاعتقالات على أساس الهوية في مناطق سيطرة القوات المسلحة، وهو ما يعكس وحشية الحرب التي اتخذت أبعادًا إثنية وجهوية.
المطالبة بفرض مناطق آمنة لحماية المدنيين ومسارات آمنة تحت حماية الأمم المتحدة أصبحت ضرورة لضمان تقديم الخدمات الإنسانية للنازحين في مناطق النزاع. بالتوازي مع ذلك، يجب على المجتمع الدولي فرض حصار سياسي وعسكري على طرفي الحرب لكبح عنفهما تجاه المدنيين. من هنا تأتي المطالبة بحظر شامل لتوريد السلاح إلى السودان، حيث إن تجفيف السلاح يمكن أن يكبح جماح الطرفين ويوسّع فرص السلام. كذلك، يجب توسيع صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية لتشمل كل السودان بدلاً من الاكتفاء بدارفور فقط. الإفلات من العقاب كان دائمًا أحد أسباب تمادي الطرفين في ارتكاب الانتهاكات، مما يستدعي محاكمة مرتكبي الجرائم بحق المدنيين وتقديمهم إلى العدالة.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي ضمان حرية الاتصالات في السودان، حيث إن توفير شبكة اتصالات مستقرة يمكن أن يسهم في توثيق الانتهاكات، وتوفير المعلومات، وتسهيل تحركات الأموال في المناطق التي توقفت فيها خدمات البنوك.
إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 18 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 19 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 20 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 21 22إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 23 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 24 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 25 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 26 إضغط هنا للإنضمام لقروب الواتس 10