تقرير
الفاو: هنادي النور
معاناة ومشاق ومتاعب لا توصف تكبدتها برفقة عدد من الزملاء بالصحف المختلفة، وهي طبيعة الرحلات إلى مثل هذه المناطق في الولايات.. (الإنتباهة) رافقت ادارة مشروع الرهد الزراعي الى منطقة الفاو، وتنقل اليكم سادتي القراء هذه الصورة المحفوفة بالمتاعب ووعورة الطريق، والزيارة الى تلك المنطقة تجبرك على التحلي بالصبر وتحمل المشقة .
أهمية اقتصادية
مشروع الرهد الزراعي يعتبر رافداً من روافد الاقتصاد، ويقع المشروع على ضفة نهر الرهد الشرقية وهو نهر موسمي ينبع من جبال الحبشة على بعد حوالى (20) كلم شمال غربى بحيرة تانا. ويبلغ حجم الفيضان حوالى ألف ومائة مليون متر مكعب، وتتم الاستفادة من فيضان النهر الموسمي بتحويل المياه إلى ترعة بعد تجميعها فى خزان ابو رخم. وبعد نهاية الفيضان تتم مواصلة الري عن طريق الطلمبات من النيل الازرق. وتتقاسم ولايتا القضارف والجزيرة مشروع الرهد الذي تمتد مساحته لنحو (٣٥٣) الف فدان قابلة لزيادة المساحة بعد ادخال القسم العاشر(أ) و(ب) و(ج ). ويوجد بالمشروع نحو (٢٠) ألف مزارع يشاركون في مجلس الإدارة وفي مجالس الإنتاج التي تنظم المشروع .
ترعة للإنسان والحيوان
ورغم الاموال الضخمة التي يضخها القطاع الزراعي في جسم الاقتصاد الا ان ذلك لا ينعكس على الواقع الاجتماعي للمزارعين في هذه المنطقة، والدليل على ذلك ان معظم قرى مشروع الرهد تفتقر الى مياه الشرب النقية، وهناك عدة محطات مياه بقرى المشروع لكنها توقفت بسبب عدم الصيانة، وأنموذج لذلك القرية (15) التي يشرب اهلها من مياه الترعة التي تشرب منها والحيوانات .
عطش في عطش
اتجهت العربة صوب الشرق، وكانت البداية بالقسم العاشر والكنار الرئيس فارغ تماماً من مياه الري وحتى الترع الفرعية فارغة، مما يدحض تصريحات وزارة الري، واللافت للنظر ان بعض الترع يوجد بها قليل جداً من المياه وأخرى يابسة, والمزارعون يفترشون الأرض جوار الوابورات من أجل سحب مياه الري بالجازولين، ولكن لا توجد مياه يسحبها الوابور والشرب في صعوبة .
والمزارعون حضروا الأرض ونثروا سماد اليوريا، والداب وتقاوي القمح والتجهيز لهذه الأرض كلفهم مبالغ كبيرة، ولسان حالهم يقول مازلنا منتظرين قطرة ماء من الري او رحمة من السماء في فصل الشتاء.
فشل الموسم
وعزا مزارعو المشروع فشل الموسم الزراعي الى انعدام الري، وطالبوا بتدخل عاجل من قبل الحكومة الانتقالية لانقاذ محصولات العروة الشتوية (القمح وزهرة الشمس،) وأكدوا تكبدهم خسائر فادحة في التحضير للزراعة بلغت مليارات الجنيهات.
وشددوا على ضرورة الغاء القرار (٣٢) القاضي بفصل الري عن ادارة الزراعة، وارجعوا تفاقم ازمة العطش لهذا السبب، وقالوا خلال افاداتهم للوفد الاعلامي الزائر انهم ابلغوا إدارة الري بالمشكلة، الا ان بعض موظفي الري تماطلوا في الحل، مما ادى لتلف مساحات مقدرة بالمشروع .
تبرير
ولكي ننقل الحقيقة كاملة كان لا بد من أخذ إفادة من إدارة الري بعد الاستماع للمزارعين، وطلبنا من إدارة المشروع ضرورة ذلك، ولكن تفاجأنا من إدارة المشروع بأن مدير ري عمليات الرهد رفض لقاء الوفود، وبرر ذلك بحجة عدم التخويل له بالحديث .
أرض جدباء
الآلاف من الأفدنة المزروعة بالقمح لم تصلها المياه منذ شهر اكتوبر الماضي، بحسب تأكيدات المزارعين بأن الأرض أصبحت جدباء، وابو عشرين أصبح عبارة عن صحراء والقطن أصبح علفاً بسبب العطش وكذلك الفول السوداني الذي خرج من المنافسة ومساحات كبيرة اصابها التلف.
انعدام الحياة
لقاء المزارعين بقرية ود الكاشف يدحض تصريحات الري، وعدد لقطات محصول القطن كانت أربعاً في القسم العاشر والتاسع فأصبحت لقطة واحدة.
ويقول المستثمر الوطني بقسم العاشر عمر احمد بمشروع زبيد بمساحة (١٦٤٥) فداناً: (وجدنا هذه المنطقة تنعدم فيها الحياة، وهنالك مشكلة في ري المشروع، وقمنا بحفر (16) بئراً ارتوازية للري لزراعة القطن المحوري بدلاً من الري من الترعة الرئيسة التي انعدمت فيها المياه، ولحل مشكلة الكهرباء قمنا بتركيب وابورات لكهربة الآبار في حال انقطاع الكهرباء القومية التي تم توصيلها من مدينة ود مدني بتكلفة بلغت (74.7) مليار جنيه عام 2017م، فيما بلغت تكلفة القيمة الشهرية للكهرباء في الموقع اكثر من (150) مليون جنيه، مما يشكل عبئاً آخر على الانتاج، وكانت ادارة الري تتبع الى ادارة المشروع، وبعد فصل الري عن ادارة المشروع كنا الضحية)، وأشار عمر الى ان انتاجية الفدان تدنت من (١٣) قنطاراً الى حوالى عشرة قناطير نتيجة العطش .
وفي التفتيش الخامس ميجر (5) المزارع يطمع في وصول المياه الى الكيلو (38)، غير أن احد المزارعين اكد ان الترع في الكيلو (38) لم خالية من المياه حتى الآن، وان خسائرهم تصل الى (500) مليون جنيه .
وقال المزارع الحاج عباس انهم جهزوا انفسهم لدخول السجن بسبب الإعسار، مبيناً ان لديه اكثر من مائة فدان تم ريها مرة واحدة فقط .
فيما قال آخر انهم خرجوا من الموسم الصيفي في مساحة (400) فدان، مبيناً ان المشروع هذا العام خارج دائرة الانتاج، جازماً بالقول إن الموسم الشتوي على وشك الانهيار.
فشل ذريع
ويقول المزارع عبد الرحيم: (ان محصول القطن يحتاج الى مياه، وفصل ادارة الري عن ادارة المشروع خطأ كبير)، ويرى ان الموسم الحالي قد فشل فشلاً ذريعا، واضاف ان مهندس الري عندما سمع بوصول وفد اعلامي قام بضخ المياه في الترع، مشيراً الى تدني انتاجية الفدان في هذا الموسم، وقال: (في السابق كان الفدان ينتج (27) جوالاً والآن ولا جوال واحد)، مطالباً بوضع حل عاجل للمشكلة .
إيقاف زراعة القمح
وقطع مدير مشروع الرهد عبد العظيم عبد الغني بخروج ٥٠% من مساحة العروة الشتوية لمحصولي القمح وعباد الشمس بسبب عجز في الري، ولتفادي دخول المزارعين في خسارة تم ايقاف زراعة القمح، مبيناً أن جملة مساحة مشروع الرهد الكلية (٣٥٣) الف فدان، مقراً بوجود عجز كبير في مياه العروة الشتوية، ومبيناً أن المستهدف لزراعة القمح (٢٠) الف فدان، وتمت زراعة (2.7) آلاف فدان فقط، اما زهرة الشمس المستهدف (٣٠) الف فدان ولم يزرع فقط الا تسعة آلاف فدان، والعدسية (٢٠) ألف فدان وتمت زراعة ألف فدان فقط منها .وشدد على ضرورة مراجعة الوضع الراهن للمشروع في مجال تقديم خدمات المياه، وأشار إلى أن هنالك اتجاهاً لقيام ورشة تحت إشراف مجلسي السيادة والوزراء لمناقشة كافة الإشكالات المتعلقة بالمشروع وخدمات المزارعين من صحة وتعليم ومياه شرب وبنيات تحتية.
وقال انه في حال استمر المشروع بهذه الإشكالات لا يستطيع الإيفاء بالالتزامات تجاه المزارعين, وعزا الخسائر لعدم وجود المياه في الترعة، ونفى وجود اي تعويض لخسائرهم،
مؤكداً وجود معاناة في توفير المياه، وان المفاضلة بين شرب المواطنين والمحاصيل. ونبه الى ان مؤسسة الرهد تعمل دون مجلس ادارة لفترة (6) اشهر، ولأن المشروع يحتاج الى اموال ضخمة كما قال، فإن المشروع مطروح للاستثمار لاية جهة تريد ذلك، وعاب على الدولة انها لا تتحمل عبء الصرف على المشروع الا في الفصل الثالث رغم انه مشروع حكومي، وقال ان ادارة المشروع تعمل على رفع نسبة الايرادات من خلال الاهتمام بالآليات الزراعية الموجودة واعادة تأهيلها .
وقال عبد الغني ان الحكم المحلي فشل في ادارة الخدمات لقرى المشروع التي وصلت الى (90) قرية، وظلت تعاني من عدم توفر المياه النقية للشرب وانعدام الطرق المسفلتة والمدارس والصحة، واضاف انهم نادوا بعودة التنمية المستدامة للمشروع، واكد ان المشروع يعاني من مشكلة ري حقيقية لا بد من معالجتها. وعزا ذلك الى مشكلات في الكهرباء والطلمبات مما يؤدي لتأخر الري، الامر الذي ادى الى تداخل المحاصيل، غير انه قال ان وضع الري افضل من العام الماضي، وعزا اسباب تداخل المحاصيل الى ان اي مزارع يريد الزراعة بسبب الاسعار المغرية للمحاصيل. وانتقد عبد الغني بشدة ادارة الري ووصفها بالضعف، وأشار إلى انه تم توريد مبلغ (57) مليار جنيه في البنك دفع منها (27) مليار جنيه لصالح الري، ورغم ذلك المشروع الآن يعاني من العطش بنسبة 50%. وطالب بارجاع الري الى رئاسة المشروع الى جانب وضع ميزانية لادارة المشروع، واشار الى ان ادارة المشروع تضطر لايجار (60) عربة، مشيراً الى انهيار البنيات التحتية.
مشكلات معقدة
ورهن رئيس اللجنة التسييرية لاتحاد مزارعي الرهد يوسف حمد النيل حل هذه المشكلات بتدخل المركز، وقال ان مشكلات الري شائكة ومعقدة والتفكير فيها محبط، وأشار للتمدد الذي شهده المشروع خلال السنوات الماضية، واضيفت مساحات للمشروع على حساب كمية الري التي تعتبر خصماً على المشروع، ورغم التحفظ عليها الا انها اصبحت واقعاً، وطالب حمد النيل بالتمويل الكلي للمشروع وانتقد نظام التمويل من البنك الزراعي، مبيناً أن الترع خالية من المياه، وان القرار السياسي دمر القرار الفني.
سمعة سيئة
وقال مدير محالج الفاو الصادق خالد ان خطة الموسم الحالي تستهدف حلج (١٠٠) الف قنطار بواقع (٥٠) الف قنطار لصالح الشركة والنصف الآخر تجاري، واضاف ان هناك فوضى حالياً في السوق، وشدد على ضرورة قيام بورصة للقطن بالبلاد وتغيير سياسة البنك المركزي تجاه حصائل الصادر، لأنها تحسم فوضى سوق القطن، موضحاً ان عدم الفرز خلق سمعة سيئة، وان الطاقة الانتاجية للمحالج تبلغ (١٧) بالة في الساعة، كما انها لا تستطيع شراء الاقطان لأن منافسة السوق عالية حيث ان سعر الشركة اقل بقيمة (١٤) الف جنيه مقارنة بسعر السوق بحوالى (٢١) الف جنيه.
وشكا من نقص الكوادر الفنية وتراجع الطاقة الإنتاجية بسبب استيراد الاسبيرات وصعوبة الحصول على قطع الغيار الاصلية، خاصة في فترة العقوبات الاقتصادية على البلاد، مشيراً الى ان غياب مجلس الإدارة وعدم تعيين المدير خلال الفترة الماضية تسبب في إيقاف الصرف على البند الثالث الذي يتم بموافقة المدير، حيث كانت المحالج تحتاج لاشياء ضرورية.
قصة معاناة
الطريق الرابط بين كل قرى المشروع من القسم الأول الى العاشر تم تشييده في عهد الراحل جعفر نميري، وكان أساس التنمية والنهضة لمشروع الرهد آنذاك، مما سهل عمليات التحضير وإدارة المشروع من المرشدين الزراعيين، وساعد في عملية نقل القطن عبر الجرارات وإدخال مدخلات الإنتاج. وقال ان الطريق منذ عام ١٩٧٧م لم تتم صيانته، والطريق من الفاو الى القرية (٣) رئاسة المشروع كان يستغرق (٢٠) دقيقة، والآن مع انهيار البنية التحتية يستغرق ساعات وسط الغبار، وخلال فترة الخريف المعاناة فوق العادة، ويصعب الوصول الى الفاو وسط الوحل والطين.
وهناك مشاهد مأساوية ومعاناة مميتة أكدها أحد سكان تلك المنطقة، وقال ان اكثر من خمسمائة امرأة حامل فارقت الحياة وسط الوحل والطين، بجانب موت عدد كبير منهن بسبب (الدقداق) والم المخاض في طريق اسعافها الى مستشفى الفاو عبر التراكتور، وايضاً هنالك قرى كثيرة تكون خارج التغطية وتنقطع تماماً عن الفاو بسبب الامطار الغزيرة والارض الطينية، بجانب ارتفاع تكلفة اسعار نقل البضائع وايضاً ارتفاع اسعار التذاكر من والي الفاو، كما ان عدداً كبيراً من العربات تغوص في الوحل وتكون داخل الطين اكثر من عشرة ايام .
وكانت آخر المحطات عبر هذا الطريق الذي سردنا معاناته في سبيل الوصول الى الري محطة الري الرئيسة، ورغم التعب نتيجة لرداءة الطريق من حفر وغبار ايضاً تحملت العربة صعوبة تلك الطبيعة التي استغرقنا فيها أكثر من ثلاث ساعات في الوصول الى منطقة (مينا) التي تضخ فيها المياه من النيل الازرق .
توضيح مهندسي الري
واكد مهندس التشغيل في محطة مينا، الامين محمود الامين، أن موقف التشغيل حالياً ما بين ٩٠% الى ٩٥٪، وهو الحجم المطلوب من المياه للمشروع، مقراً بوجود أعطال بسيطة استغرقت ساعات خلال الأيام الماضية وتمت معالجتها، وقال ان المحطة قديمة وتحتاج الى تأهيل حتى تستطيع مواكبة النظام الموجود في محطة مينا، وأضاف قائلاً: (العجز الذي يحدث يكون بسيطاً ولا يصل ليومين وليس شهوراً)، وذكر أن المعالجة تأتي من قبل إدارة المياه، واضاف ان عمل المحطة قائم على استلام إشارة بحجم الكميات المطلوبة من المياه ليتم تنفيذها حسب الطلب، وامتنع عن تحميل مسؤولية العطش لجهة معينة، موضحاً انه لا توجد قطوعات مبرمجة لمحطة الكهرباء، منوهاً بأن الخطوة المطلوبة معرفة ومتابعة المنفذ والكميات الخارجة من المياه عبر محطة مينا المحطة، مقارنة بالمساحات المزروعة، قائلاً: (هذا هو الإجراء الصحيح).
بينما اوضح مهندس الميكانيكا بمحطة مينا محمود محمد ابراهيم ان بداية الموسم في يونيو الماضي شهدت مشكلة عطل بالكهرباء وتم تبليغ إدارة الكهرباء اكثر من مرة، وقال إن عملية (الدوارة) بدأت في اكتوبر بالتدرج، وان الوضع الحالي مكتمل بتشغيل خمس طلمبات تضخ (٩.٥) متر مكعب في الثانية، وتم حل مشكلة الاطماء، وان خزان (ابو رخم) يغذي المشروع، وكلما انخفض منسوب المياه يطلب زيادة، واي طلب من المياه ينفذ، لافتاً الى ان هناك اشكالات في الترع، وإدارة المحطة (حدها التشغيل بس)، وتنصل عن المسؤولية قائلاً انها تتبع لادارات أخرى .
واعتبر مهندس الري بقسم ابو عشوش ان الري يتأثر بالكهرباء عبر تشغيل محطة مينا، وقال: (ان الايام الماضية شهدت قطوعات كهرباء، ولكن قبل يومين استقر الامداد الكهربائي، وانعكس ذلك ايجاباً على الري وطرأ تحسن في ارتفاع منسوب المياه)، مبيناً ان منسوب المياه امس الاول بلغ (٢.٢) مليون متر مكعب، وارتفع في اليوم التالي الى (٢.٤) مليون متر مكعب. وارجع تذبذب وارد المياه لعدم استقرار الكهرياء وتشغيل طلمبات مينا الخمس، وان ضعف الكهرباء يجبر على إيقاف بعض الطلبات، مما يخفض ساعات (الدوارة) لتوفير كميات المياه المطلوبة، وتوقع يوسف حدوث زيادة واستقرار بحسب اداء محطة مينا، لافتاً الى ان كميات المياه مرتبطة بالكهرباء.
وشدد مهندس رئاسة قسم ابو عشوش مفتي خضر عثمان، على ان المشروع مصمم على اساس طلمبات مينا، وتقع عليها مسؤولية الري التكميلي والنصف يكون على موسم الخريف، ويتم إيقاف الطلبات في شهر يوليو لأن الرهد يأتي بمياه كافية للزراعة، وأضاف قائلاً: (خلال الفترة من سبتمبر وحتى اكتوبر يبدأ تشغيل الطلبات حتى اكمال الموسم، ويفترض ان تقوم إدارة الكهرباء بفصل محطة الكهرباء واعطاء الري امداداً كاملاً مفصولاً عن القرى)، مشيراً الى ان المحطة حالياً تعمل بواقع (١٣٢) ساعة وتعادل أكثر من خمس طلمبات .